صفحة:ملوك العرب ج1 (1929) - أمين الريحاني.pdf/15

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٧
المقدمة

من العلوم المَشُوبة، وفيها أشياء من الجهل المتلألئ.

غدوتُ بعد عشر سنين في أميركا مُعجَبًا بنشاط الشعب الأميركي، وبحريته في الفكر والقول والعمل، خائفًا من نتيجة الجهاد المادي هناك، ومن التكالُب في سبيل الحياة الدنيا. وما كان خوفي على الأمة الأميركية وأنا في ذاك الحين، في عين نفسي، قطبَ كلِّ ما اهتممتُ له، ونقطة الدائرة في كل ما مِلتُ إليه. خفت أن أغلب في ذاك الجهاد، أشفقتُ على نفسي من ذاك التكالُب.

ونسيت فرنسا إلا في آدابها، تلك الآداب التي زادتني ضَعفًا وتردُّدًا في مضمار الحياة. صرفتني عن حقائق الوجود المادية، وزيَّنتْ لي في الفنون الجميلة الحقائق المعنوية. صرت في نيويورك كئيبًا يحمل كتابًا، وغاويًا من غواة الفنون يمشي في الجنائن العمومية سبهللًا! فانفتحت أمامي أبوابٌ من العلم متعددة، واتَّسع مجال الاضطراب والغرور.

ولكن الآداب الإنكليزية عادت بي إلى الشعب الإنكليزي فوجدته في أمور كثيرة — أخلاقية واجتماعية — أرقى من الشعب الأميركي، أو أحب إلى مَن كان مثلي. فكان لي في ذا العلم عونٌ على مقاوَمة تيار الاقتباس والتأمرُك، فلم أتخلَّق مثل سواي من السوريين هناك بأخلاق الأميركيين كلها، والفضل في ذلك هو لفيلسوفهم إمرسون الذي كان دليلي الأول إلى محاسن الإنكليز فيما كتبه عنهم، وعن سجاياهم1. وقد عرَّفني إمرسون إلى كرْليل، وكان كرليل أول مَن عاد بي من وراء البحار إلى بلاد العرب. أجل، وقد يُستغرب قولي إني عرفتُ بوساطة الكاتب الإنكليزي الكبير سيِّدَ العربِ الأكبر النبيَّ محمدًا2، فأحسستُ لأول مرة بشيء من الحب للعرب، وصرت أميل إلى الاستزادة من أخبارهم.


  1. السجايا الإنكليزية English traits by Ralph Waldo Emerson.
    تأليف رَلف وُلدو اِمرسون.
  2. الأبطال Heroes and Hero-Worship by Thomas Carlyle.
    وتأليه الا بطال : تأليف طامس کرَلیل وقد ترجمه الى اللغة العربية محمد السباعی .