صفحة:ملوك العرب ج1 (1929) - أمين الريحاني.pdf/14

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٦
ملوك العرب

مقدمة

١

كنت في الثانية عشرة من عمري عندما سافرت للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة. فلم أكن أعرف غير اليسير من اللغتين العربية والفرنسية، وما كان في ذهني من العرب وأخبارهم غير ما كانت تُسمِعه الأمهاتُ في لبنان صغارَهن. هس، جا البدوي، والبدوي والأعرابي واحد إذا رامت الأم «بعبعًا» تخوِّف به أولادَها.

هجرت وطني وفي صدري الخوف ممَّن أتكلم لغتهم، والبغض لمن في عروقي شيء من دمهم. والبغض والخوف هما توأما الجهل.

أما الأمة الفرنسية فما كنت أعرف من أمم الأرض سواها، ولكنها معرفة مطوَّسة. كانت المدارس تنشر أذنابها في لبنان: إن فرنسا لَأعظمُ أمم الأرض، هي أشرفها وأغناها وأرقاها، بل هي قطب المدنيَّة، وعاصمة النور والجمال؛ هي الطاووس بين الأمم.

أما أميركا فقد كنتُ فيما عرفته منها بعيدًا عن الأم وعن المدرسة. تناولتُ الكأس من يد الوجود، وقد ملأها الشعب الأميركي بنفسه. ومع ذلك فلم تخلُ مما تميَّزت به الكأسان الأوليان. رشفت في نيويورك الجام تلو الجام