صفحة:مفيد العلوم ومبيد الهموم.pdf/77

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٦١

يعلم من غير ملابسة الجسد ولا يجوز في دين الله أن لا يكون حاله هو الحساس الدراك الباقي المتنعم والجسد هو المتألم المتوجع فيكون ظلمًا والحجة الواضحة في ذلك أن الثواب بالطاعة والعقاب بالمعصية إنما صدر من الجسد بواسطة الروح ولم تنفرد الروح بذلك فإن كانت الطاعة بهما تحصل فيجب أن يكون العقاب والثواب لهما كيلا يكون اجحافًا وظلمًا وأيضًا فإن خطاب الله تعالى يتوجه على النفوس والأبدان بقوله يا ﴿أَيُّهَا الْإِنْسانُ ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ولم يقل يا أيها الروح فإذا كان الأمر والنهي والخطاب مع الجسد فيستحيل أن تكون الروح مفردة في ذلك يدل عليه أن الله تعالى حيث ذكر الثواب والعقاب والوعد والوعيد ونعيم الجنة وعذاب الجحيم إنما عنى به الجسد يا ﴿أَيُّهَا النَّاسُ ﴿فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ فالله تعالى خلق هذا الجسد من التراب وأمات هذا الجسد ثم يحيا هذا الجسد ثم يخاطب ويحاسب هذا الجسد فدل أنه المثاب والمعاقب فانه سبحانه حكيم لا يجوز أن يأخذ زيدًا بجناية عمرو ولا يجوز أن يحمل جريمة زيد على عمرو فدل أن الروح لا تحيا بدون الجسد.

( الباب التاسع في بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد )

قال الله تعالى ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً فالنعمة الظاهرة سلامة البدن والنعمة الباطنة الإيمان فأول نعمة الله عز وجل على العبد أن خلقه حيوانًا متميزًا على الجمادات دراكًا للّذات حساسًا للطيبات ومنها العقل الذي يعرف به الخير من الشر والحق من الباطل والكفر من الإيمان فيا لها نعمة ما أعظمها فمن شك فيها فلينظر في حالة المجنون يأخذ من أسفله ويضع في فيه ولا يشعر ومنها نعمة الإيمان وما أعظمها فإن الانسان