صفحة:معركة الإسلام والرأسمالية (1952) - سيد قطب.pdf/62

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
– ٥٨ –

وفى هذا المضطرب الواسع، والحرية العريضة، فسحة لتلافى كل ظرف طارئ ومواجهة كل حالة استثنائية؛ على ضوء المصلحة الاجتماعية العامة، وعلى ضوء المبادئ الإسلامية الأخرى، التى تحرم الغبن، كما تحرم كل إجراء يؤدى إلى الترف فى جانب والحرمان فى جانب؛ أو يؤدى إلى احتباس المال فى أيد قليلة، وتداوله فى محيط ضيق. ومن أول مبادئ الإسلام ألا يكون المال فى أيدي الأغنياء وحدهم: «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» فكل نظام للأجور يؤدى إلى هذه النتيجة هو نظام محرم لا يقره الإسلام. وعلى ضوء هذا المبدأ وتلك المبادئ العامة السابقة يمكن التشريع للأجور فى اطمئنان.

أما ساعات العمل فهى محدودة بالمبدأ الإسلامى العام الذى يحرم الضرر: «لا ضرر ولا ضرار» فكل ما يؤدى إلى إرهاق صحة العامل، أو حرمانه حق الراحة الضرورية، أو حق الاطمئنان النفسى على حاضره وعلى مستقبله، هو نظام محرم لا يقره الإسلام فى العمل ولا يرضاه وعلى الدولة أن تشرع فى هذه الحدود حسب المقتضيات.

ونظام العمل نظام متجدد، ومقتضياته وظروفه أبدا فى تغير. لهذا وضع الإسلام المبادئ العامة للتشريع له، ولم يحدد قوانين ثابتة، فتلك خطته العامة ليواجه حاجات الحياة المتجددة؛ ويتقبل تجارب البشرية الواقعة فى كل زمان، ويبقى حارسا للاتجاه العام، كى لا يحيد عن وجهته، ولا يخالف عن روحه ومبادئه.