إلى لقاء خصومه وهم في كنفه ينظرون إليه في مستقر نجاحه وظفره، ولا يضيرونه بقولة يقولونها لا تحول بينه وبين ملكه كما قال وغير بعيد أنه كان يترك جلساءه يتحرشون بذوي اللسن من العلويين ليضحك مما ينالهم كما يفعل ذوو السلطان في كل زمن وكل أمة، فربما كانت سخريتهم بالأنصار أمتع لهم من صد الخصوم، وقد يطلقون بعضهم على بعض؛ ليسخروا منهم جميعا إن لم يكن لهم خصوم يعرضونهم للسخرية طائعين أو كارهين. ۱۷ غير وقد أجتمع من سجال بني هاشم وخصومهم في مجلسه ما ينعقد به سجل خاص في مأثورات الحوار في كل مقام، ويصحح وقوعه في رأينا أنه لو حدث لما أمكن حدوثه على ذلك النمط الذي تناقله الرواة. أناس من ذوي السلطان المحدث يعلمون هوان أقدارهم مع بني هاشم وآل النبي وصفوة قريش، ويلذ لهم أن ينعموا بالسلطان وأن «يجترول» تلك النعمة حيثما وسعهم اجترارها في حضرة وليهم، وعلى مسمع من السادة الأعلين الذين غلبوا على ذلك السلطان، وإن ولي الأمر نفسه ليحب ذلك ولكنه يعلم أنه مركب غير مأمون، وأن الموتورين إذا سمعوا ما يكرهون فردوه بمثله فما في وسعه أن يواجه العالم الإسلامي كل يوم بشهید من آل البيت فسبيله أن يصطنع المخالفة لجلسائه، وأن يحذرهم مغبة اللهو بهذه الملهاة، ولا أمان فيها من السن القوم وأنفتهم التي لم تخذلهم قط في مقام المناظرة والتحدي من زمن قديم، فإن أصيب جلساؤه فعليهم وزر عملهم، وليس لهم أن يطالبوه بالاقتصاص لهم من أمر قد اختاروه على خلاف رأيه، وإن سلم أولئك الجلساء فقد شفوا صدره من أولئك الموتورين. وتكاد القصص مع بني هاشم في مجلس معاوية تجري كلها على وتيرة واحدة: رجل من آل البيت يدعى إلى المجلس، أو يأتي إليه في أمر من أموره، فيغري به جليس من الحاشية يتحرش به ويستثيره فيجاب بما هو أهله، ويتغاضب معاوية على الجليس فيلومه إذا بلغ الجدال والمحال ۱ فصل المقال، وما نرى أن الملهاة كلها كانت مديرة؛ لكي تنتهي إلى خاتمة أخطر من هذه الخاتمة، وماذا عليهم إذا أستطال الموتورون بالمقال وهم يستطيلون بالسلطان؟ By سجال: ساجل فلان صاحبه: عارضه وباراه وفاخره وصنع مثل صنيعه. ۱۸ المحال الكيد والمكر والجدال.
صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/62
المظهر