ويتم الرواة روايتهم فيقولون: إنه قضى حوائجها وردها إلى بلدها أهل الشام ولا مخالفة للمعهود في أزدلاف ۱۲ المزدلفين لصاحب الأمر بالوقوع في خصمة بمحضر ممن يكره ذلك من خاصة أهله، فإن نجا المزدلف بزلناه فقد رضي وأرضي، وإن أصيب كما أصاب فليست كل كلمة يزجيها؟! الملقي في مجلس الأمير مستحقة من ذلك الأمير أن يشتريها بالثمن الذي يعنته ولا تطيقه دولته في مطلعها، وقد ازدلف إليه الكثيرون فسلموا، وازدلف إليه غيرهم، فأصيبوا بحق لا يمتري فيه عربيان يؤمنان بحق الجواب كما يؤمن به سائر العرب، ولا يمتري فيه مسلمان يؤمنان بالحق حيث كان، وأظهره رد العدوان في غير داعية للعدوان. كان عنده زید بن عمر بن الخطاب، وأمه بنت علي أم كلثوم، فنال بسر بن أرطأ من الإمام، فما أمهله زيد أن قام إليه فعلاه بالعصا وشج رأسه، فلم يزد معاوية على أن قال لزيد: عمدت إلى شيخ قريش وسيد فضربته؟ ثم التفت إلى بسر، فقال: تشتم عليا على رءوس الناس وهو جده وابن الفاروق، ثم تراه يصبر على ذلك ؟؟ وكل أولئك شبيه أن يكون: بسر بن أرطأة قاتل طفلين باليمن لعبيد الله بن عباس ينال من علي في حضرة معاوية، وزيد بن الفاروق لا يشبه أباه إن صبر على ثلبه۱ جده في مكان حيث كان، ومعاوية يرضى عن أن مضت في سبيلها، ولكنه لا يبطش بزيد أن غضب لجده وأصاب السفيه بجريرة سفاهته، ولا تساوي تلك السفاهة أن يشتريها بالنكال الذي تعود عليه اللائمة فيه ولا تعود عليه منه زيادة في ملكه، وكل أولئك – كما أسلفنا – شبيه أن يكون، فلا يحسبه أحد في ذلك العصر من حلم معاوية، بل يحسبه من جبن زيد إن لم يصنع ما صنع بابن أرطأة. وإن الأشبه بالصدق في جملة تلك الروايات أن معاوية كان يحب هذا الملق، ويحب هذه الاستثارة؛ لأنها تمتعه بذكرى الشدائد التي تخطاها بعد فوات الغاشية، وتريحه ۱۵ سفاهة ۱۲ ازدلف: دنا وتقرب. يزجيها: أزجي الشيء وزجاه: دفعه برفق. يمتري: يشك ۱۲ واب: سب وشتم. ۱۹ الغاشية: الداهية والقيامة
1.