صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/51

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

القدرة العقلية الخارقة، وغلبة الإقناع لا برهان فيه على الحقيقة، ولكنه ضرب من «التنويم المغناطيسي» تعمل فيه المشيئتان بمشيئة واحدة وإنما استطاع معاوية أن يستهوي الناس إليه بقضاء المصالح لقيامه على ولاية الشام عشرين سنة، واستئثاره بأقطارها جميعا على أيام عثمان بن عفان، واحتجازه لما شاء من أموالها وخيراتها، وولاء أعوانها بغير رقابة عليه بعد أيام الفاروق فالرجل على نصيب متوسط من العقل يملي له طبع مفطور على الأناة لم تتعجله الحوادث قط، كما تعجلت منافسية في الحجاز والعراق، وكان ذلك النصيب حسبه من العدة في ذلك النزاع الذي لا سواء فيه بين المصاعب والعقبات من الجانبين. ولو أنه قورن بينه وبين زملائه في سعة الدهاء؛ لكان آخر الأربعة صفا، أو لم يكن على اليقين أول الأربعة قبل عمرو بن العاص على الخصوص، فإنه الفارق بينهما كالفارق بين العبقرية والدربة، ۲۰ أو بين العقل المشبع بالقوة والحيوية، والعقل الذي قصاراه من الرأي أن يحذر ويتربص، ويتجنب حيثما كان. كان دهاء عمرو سلاح هجوم ودفاع، وكان دهاء معاوية سلاح دفاع دائم على أحسن الأحوال، وكان هو يجهل موازين الرجحان بين الدهاءين، ويحسب أن أتقاء العواقب هو كل ما يطلبه الداهية من دهائه، كأنما الدهاء سلاح يعمل عمل الدرع، ولا يعمل عمل السيف أو السهم في وقت من الأوقات سأل معاوية عمرو بن العاص: ما بلغ من عقلك؟ قال: ما دخلت في شيء قط إلا خرجت منه، قال معاوية: لكنني ما دخلت في شيء قط وأردت الخروج منه؟ ولم يكن عمرو ليقتحم المخاطر على الرغم منه ثم يبحث عن مخارج النجاة منها، ولكنه يقتحم الخطر ويقول غير مرة: «عليكم بكل مزلقة ۲۱ مهلكة ثقة بدهائه كلما ثاب إليه، وعلى وفاء لطبيعة الإقدام والاقتحام التي تقترن بالعبقرية ودوافع القوة والحيوية، وليس من عزم الأمور دهاء لا يندفع بصاحبه في المضمار، ولا يرجى من نفعه قط إلا أنه لجام. لأنه كان على ۲۰ الدرية: المرانة والعادة على الشيء. مزلقة: أرض لا تثبت عليها قدم

50