صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/13

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
معاوية بن أبي سفيان

لكسب الثناء عليه، وإسكات القادحين فيه، ولكن أخبار الأموال المبذولة لتغيير الحقائق في هذه الفترة تفيض بها كتب المادحين والقادحين، ومن لا يمدحون ولا يقدحون، ولم يعلم أحد مبلغها من الوفرة والجسامة، ولكنها معلومة بالتقدير، وإن لم تعلم بالإحصاء وأرقام الحساب؛ لأنها استنفدت خزانة الدولة، وجرت إلى مضاعفة المكوس1 والضرائب، ومخالفة العهود لأهل الذمة وحسبان الزكاة من حصة الخزانة التي يستولي عليها ولاة الأمور.

ويبقى عمل النهازين المطبوعين بعد عمل النهازين المأجورين، فإنهم قد تطوعوا في ذلك العصر، وفي العصور التالية؛ لترجيح كفة النجاح المنتفع على كفة المثالية العالية، ولم يخفَ الأمر على أبناء ذلك العصر كما نشرحه الآن بأساليب علم النفس في الزمن الأخير، فإن الأقدمين لم تفتهم «النفس» بجوهرها، وإن فاتتهم مصطلحات النفسانيين من أبناء القرن العشرين، وقد نفذوا إلى بواطنهم بالنظرة الثاقبة؛ لأنهم أصحاب نفوس تعلم ما تنطوي عليه النفوس.

 

جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي عن الإمام ابن حنبل أنه سأل أباه عن علي ومعاوية، فقال: «اعلم أن عليًّا كان كثير الأعداء، ففتش له أعداؤه عيبًا فلم يجدوا، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله، فأطروه كيادًا2 منهم له.»

وهذه دخيلة من دخائل النفس الصغيرة معهودة متكررة في كل جيل، وفي كل خصومة، فكثير من الثناء لا يصدر عن حب للمثني عليه كما يصدر عن حقد على غيره، وكثير من هذا الحقد تبعثه الفضائل ولا تبعثه العيوب …

إن تاريخ معاوية بن أبي سفيان لا يحتاج إلى مزيد من تفصيل، وإنما يحتاج تاريخه وتواريخ النابهين جميعًا إلى تصحيح الموازين، وبيان المداخل التي تؤتى من قبلها أحكام الناس على الحوادث والرجال، فتصاب بالخلل أو تنقلب رأسًا على عقب، ويصاب بالخلل معها تفكير المفكر، ونظرة الناظر، وإدراك المدرك لما يحيط به من حوادث زمنه وحوادث سائر الأزمنة.


  1. المكوس: جمع مكس، وهو دراهم تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق.
  2. كيادًا: مصدر كايده، أي: مكر به.
١٢