رواية من الجهة الواحدة وروايتين أو أكثر من الجهة الأخرى. فلا عبرة للعدد في مثل هذه المواقف. والحقيقة العلمية لا تثبت بالصويت والأكثرية وقد قال الفلاسفة القدماء Ne numerentur, sed ponderentur ومعناه «الوزن لا العدد».
وحيث تتوافق الروايات التاريخية يجدر بالمؤرخ المدقق أن يلتفت إلى أمور عدة منها ما يأتي:
١) عليه أن لا يتسرع في الحكم فيظن أن جميع ما لديه من الروايات هو من النوع الذي يعول عليه. فالناس كثيراً ما ينقل بعضهم عن بعض. وهذه جرائدنا اليومية. ألا ترى أن مخبراً واحداً أحياناً ينقل الخبر نفسه إلى جرائد متعددة؟ وإذاً فالمؤرخ المدقق هو من يتروى في الأمر ويعيد النظر في الروايات ليؤكد عدم اعتماد الرواة بعضهم على بعض. والتأكد من الاعتماد أو عدمه ميسور لمن يسعى إليه. وقد سبق لنا أن طرقنا مثل هذا الموضوع في باب تحري النص والمجيء باللفظ. فأتينا على ذكر قاعدة عامة يقول بها المؤرخون في مثل هذه المواقف وهي أن النساخ والرواة لا يتفقون على خطأ إلا ويكون أحدهم في الأرجح قد أخذ عن غيره كما وأنهم لا يتفقون منفردين إلا على الصحة. فليس على المؤرخ والحالة هذه إلا أن ينعم النظر في الروايات التي يدرس ليرى إذا كانت تتفق على خطأ معين. فيثبت لديه عندئذٍ اعتماد الواحدة منها على الأخرى. وهلم جراً. فإن أعياه ذلك فعليه أن يعلق حكمه في الأمر ويبقى متمسكًا بالشبهة والاتهام. ولا يخفى أن ما يصدق على