الدوائر والدواوين. ولا يخفى ما في درس هذه الأمور جميعها من الأهمية لفهم محتويات المخابرات الرسمية وتحديد تواريخها وتثبيت أصالتها وعدم تزويرها. لا بد إذاً، من تعلم اللغات التي ترد فيها الأصول، ومن الاستعانة بمثل ما تقدم ذكره، من العلوم والفنون. وهل ننسى القرآن والتفسير والحديث ووجوب التضلع في هذه العلوم لمن يُعنى بتاريخ العرب؟
وهنالك طائفة أخرى، من العلوم الموصلة، لا مفر من الوقوف عليها، والاسترشاد بنظرياتها ونواميسها، كي نفهم الماضي، لا بد للمؤرخ العصري، من التبحر في العلوم الاجتماعية والفلسفة، إذا ما أراد أن ينظر إلى باطن المجتمع الماضي، ليتوصل إلى العوامل الأساسية، التي أثرت في عقول السلف، ودفعتهم لإحداث ما حدَث من وقائعهم، إن في الحرب أو في السلم. وقد أظهر علماء الاجتماع، كلٌّ في دائرة اختصاصه، أن كل حادث مضى، إنما هو مظهر لقوى شتى، اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية وغير ذلك، تضافرت في إبرازه إلى حيز الوجود. ولذا كان محتماً، على المؤرخ المدقق، إذا ما أراد فهم حقيقة الماضي، أن يحيط علماً بهذه القوى، وأن يطَّلع على نتائج أبحاث العلماء، في جميع العلوم الاجتماعية.
وهل يختلف اثنان، في أنه يجب على مؤرخ العلوم الرياضية، أن يكون مؤرخاً ورياضياً من الطبقة الأولى. وهل بإمكان من يجهل العلوم الرياضية من المؤرخين، أن يبت في تفوق علماء اليونان على علماء الشرق القديم في مضمار علمي الهندسة والفلسفة الطبيعية؟ أو أن يحكم فيما إذا كان