بد من إيضاحه لتفهم الأحوال والظروف التي نعيش فيها ما جرى.
ومثل المؤرخ في هذا هو مثل طبيب يحاول شفاء مريض له. فأول ما يفعل لتشخيص المرض هو تفهم تاريخ الحادثة. فمن سؤال عن سير الحرارة، إلى آخر عن حركة الأمعاء، فنوع الأكل، وما شاكل ذلك من الأسئلة عن الماضي التي تعين الطبيب في فهم الحاضر.
على أنه لا بد للمؤرخ من الترفع عن السياسة وأحزابها وعن الفلسفة ومذاجها ليتمكن من معرفة الحقيقة كما كانت لا كما يريدها أن تكون.
التنظيم والتأليف: وبعد المفاضلة والانتقاء يبدأ المؤرخ بالتنسيق والتنظيم. فيجد أنه بإمكانه أن ينظر إلى كل حقيقة من حقائقه المفردة من ناحيتين مختلفتين. فإذا نظر إليها من حيث وقوعها في زمن محدود وتعلقها بشخص معين، رآها فريدةً في بابها لا تشاركها في ذلك حقيقة من الحقائق. وإذا ذكر أن الناس جميعهم خلق الله، وأنهم كثيراً ما يتشابهون في أغراضهم وحاجتهم وأعمالهم، قال بالتشابه بين الحقائق التاريخية المفردة وبتكرار وقوعها.
وهكذا فإن بعض المؤرخين الذين ينظرون إلى الحقائق المفردة من الناحية الأولى فيرونها مجموعة من الحقائق الفريدة في بابها يستمسكون بالتنظيم القصصي ويؤثرونه على غيره. والبعض الآخر ينظر إلى التشابه بين الحقائق المفردة وإلى تكرار وقوعها فيهتم بعادات الجماعات في الماضي وعُرفهم ومؤسساتهم وما إلى ذلك من المظاهر المشتركة بين الأقوام