صفحة:مشهد الأحوال.pdf/74

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٧٠

فيكون أولًا على طريقة الوداد، أو الميل البسيط. ثم ترتقي إلى درجة الحب، وهو الميل الثابت إلى المحبوب. ثم تصعد أخيرًا إلى درجة العشق، وهناك إذا أفرطت تُدعى بالهوى أو الجوى أو الغرام، وذلك حسب قوتها.

فإذا نزلَ العشق في قلب الشخص رحل صوابه، وصارت كل أفكاره تدور على هذا الاسم، وهكذا فتعود كل تصرفاته منصرفة إلى وجه الحبيب بحيث لا يعود ساعيًا إلا في سبيل مرضاته ولا يطلب إلا شهوده حيثما يغدو موقعًا لملاعب الآلام، ومهبًّا لعواصف الأميال، فيهيم ديمار، ويروغ ويغار. وإذ تبدَّل شهوده بالغيبة تلاعبت به خمرة الأشواق، وعبثت بقلبه نار الأتواق، فيحنُّ ويئنُّ، ويضيق صدره، ويضطرب فكره، ويأخذه القلق، ويشمله الورق، ويتصعَّد ويتنهَّد، ويهيم إلى الطرقات، ويرصد الطاقات، ولا يلذُّ له سوى ترداد ذكر الحبيب واللهج به.

ومن عادة العشق أن يلطف طباع العاشق، ويجعله سميرًا ونديمًا ولبيبًا، ويرقي طبيعته، ويرقص أفكاره، ويدعوها إلى رقة الغزل، والتشبيب بالجمال، حتى يعود يمكنه التلاعب بأحوال كل الوجود، فيصير مصوِّرًا للطبيعة إذ يتوهم فيها الصور المحبوبة لديه، وشارحًا لكل الحركات والظواهر المحيطة به إذ يرى أن لكلٍّ منها خدمة في بيت الحب ولعبًا في مشهد الهوى، على أنه يرى أن الخليقة تتنفس لديهِ بالحياة، وتنفس كربه وترعرع مثواه، فيناجي الأفلاك، ويرسم الرياض