صفحة:مشهد الأحوال.pdf/73

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٦٩

هذا الحب، فلا تغيره الأيام، ولا تعارضه الأعوام. أما البنوي، فهو حب الأبناء لآبايهم، وهذا الحب ينحط إلى المرتبة الثانية انحطاط المعلول عن العلة، فلا يبادل الابن والديه مساواة الحب، على أن الابن لا يشعر بمحبة والديه إلا بعد محبتهما له مدة طويلة، أعني كل سن الفتوة، والأغلبية للمتقدم. وبينما يعقل الابن ويبتدي أن يحب والديه، يعود مشعرًا بصعوبة تربيتهما له والتزامه بالطاعة لهما، فإذ يكون مطبوعًا على حب الحرية يرى نفسه غير حاصل عليها، فلا يمكنه أن يحبَّهما بمقدار حبهما له لمعاضتهما إياه في سلوكه. وإذا كان نشأ على خوفهما، فلا يجتمع حب الشيء والخوف منه معًا. فيكون إذًا الحب الأبوي طبيعيًّا، والبنوي أدبيًّا، هذا إذا لم نقل إن الحب نتيجة الموالفة.

أما الأخوي، فهو الحب القايم بين الإخوة، وهذا هو نتيجة الموالفة محضًا. وقد ينقص ويزيد بمقدار هذه الموالفة، وقد يشتد في البعض وينقص في البعض، وقد لا يوجد أبدًا تبعًا لآداب الإخوة وتربيتهم، وما تعوَّدوه من آبايهم. أما الحب الودادي، فهو الحب الذي يوجد بين الأقارب والأصحاب، وهو نتيجة الموالفة أيضًا، وهذا إمَّا أنه يكون مخلصًا، إمَّا أنه يكون لغرضٍ، فالمخلص نادر، والغرضي كثير ومتواتر، وربما انقلب الغرضي إلى مخلص والمخلص إلى غرضي تبعًا لقراين الأحوال ومواقع الأعمال.

أما العشقي فهو حركة تشمل القلب وتشغل الخاطر. أمَّا حصولها


١٨