صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/95

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٩٤ -

سقطت وسارت طوابير المسلمين في مختلف أنحاء آسية الصغرى تخرب وتنهب وتنشـر الذعر في كل مكان. وانتهى الأمر بخضوع نقفور واضطر إلى دفع الجزية ولكن هذه النتيجة مؤقتة. ولم تكن الحملات الإسلامية التي تلت ذلك ناجعة تماما. إذ تذكـر النصوص أن الروم استطاعوا أن يقفوا أمام المسلمين وأن يرغموهم في بعض الأحيان إلى الانسحاب، وعلى ذلك لم تستطع الدولة أن تحقق انتصارات حاسمة. وطال الضـــــــراع لمدة طويلة دون أن يؤتي بثمرة بالنسبة لأي من الطرفين المتنازعين1.

ومات الرشيد في مدينة طوس سنة ۱۹۳هـ وهو متوجه لإخماد الثورة التي قام بها حفيد نصر بن سيار في المشرق. وترك الخلافة محل نزاع بين ابنيه الأمين والمأمون، وقد أشرك الرشيد ابنيه معه في الحكم. وقد بدأ الرشيد بأن عهد إلى ابنه محمد بن زبيدة ولقبه بالأمين وكان طفلاً صغيراً بلغ من العمر حوالي خمس سنوات. ثم شعـر بالغبن بالنسبة لابنه عبد الله وكان من أم ولد خراسانية، فعهد له في سنة ١٨٢هـ بولاية العهد بعد الأمين وأشركه في الحكم فولاه مشرق الدولة - أي خراسان وما يتصل بها إلى همدان ولقبه بالمأمون وعهد بتدبير شئونه إلى جعفر بن يحيى2. وعهــد بالنصف الغربي من الدولة أي بلاد العراق والشام إلى آخر بلاد المغرب إلى الأميـن ولي العهد الأول. وعهد بإدارة شئونه إلى يحيى بن خالد ولم يكتف الرشيد بهذا بل بايع لابنه الثالث وهو القاسم بولاية العهد بعد المأمون ولقبه بالمؤتمن ولكنه جعـــل للمأمون حرية التصرف في تثبيته أو خلعه. وكان للابن الثالث ولايته هو الآخر فـــي الجزيرة والثغور والعواصم3.

وفي سنة ١٨٦هـ عندما سار الرشيد إلى مكة لأداء فريضة الحج اصطحب مع أبناءه، وفي مكة دعا الفقهاء والقضاة وكبار رجال الدولة وكتب كتاباً أشهد فيه على الأمين

بالوفاء للمأمون كما كتب كتاباً آخر أشهد فيه على المأمون الوفاء للأمين وعلق الكتابين فـي الكعبة4. ولكن عندما توفي الرشيد في سنة ١٩٣هـ قرب طوس آل عسكره جميعاً إلى المأمون الذي كان مصاحباً له.


  1. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ۱۲۲.
  2. انظر، ابن الأثیر، ج ٥، ص ۱۰۷.
  3. نفس المصدر، ص ١١٢.
  4. نفس المصدر السابق، ص ۱۱٣.