صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/80

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٧٩ -

ولا شك في أن تهمة الزندقة هذه كانت تحقق للخليفة ولعماله همدفين فـي وقت واحد، أول هذين الهدفين هو التخلص من الأعداء السياسيين. والثانـي كسب حب الشعب، وهناك نصوص نستشف منها ذلك فعندما يود الخليفة التخلص من وزيره يرميه بالزندفة، وتذكر الرواية أن المهدي عندما تجهز لغزو الـروم في سنة ١٦٣هـ، أرسل وهو بحلب - فجمع من بتلك الناحية من الزنادقة فجمعوا فقتلهم وقطع كتبهم بالسكاكين1.

ونهج خلفاء المهدي نفس السياسة، فوجهوا تهمة الزندقة إلى كل من أرادوا التخلص منه بل وإلى كل أصحاب الآراء التي لا ترضي الخليفة.

أما عهد المهدي فهو عهد ازدهار ورخاء. وقد قصد بابه الشعراء فأكرمهم وأغدق عليهم. ويرجع الفضل إلى المهدي في إنشاء شبكة من الطرق، وكذلـك تحسين نظام البريد. وعلى أيام المهدي غدت مدينة بغداد المحطة الرئيسيــة لتجارة الهند، وبفضل اهتمام الخليفة ازدهرت الصناعة. واهتم المهدي اهتماماً خاصاً كما تقول النصوص بالحرمين، فأمر ببناء المحطات للقوافل على طول الطريـق إلى مكة، وأمر ببناء المصانع (الصهاريج) لخزن المياه، وحفر الآبار، وقلد هذا العمل لموظف خاص أطلق عليه "صاحب المصانع"2. كما أمر المهدي كما تقول الرواية في سنة ١٦٧هـ بإقامة البريد بين مكة والمدينة وكذلك بينهما وبين اليمن. ولم يكن هنالك بريد قبل ذلك3. وعلى أيامه جددت كسوة الكعبـة كما أمر بالزيادة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم (سنة ١٦٧هـ) فدخلت فيه دور كثيرة4.


  1. ابن الأثير، ٥، ص ٦٣.
  2. انظر، ابن الأثير، ج ٥، ص ٦٠، ص ٦٤ حيث تقول الرواية أن المهدي سـار للحج، فلما بلغ العقبة ورأى قلة الماء خاف ولحق الناس عطش شديد حتى کادوا يهلكون، وغضب المهدي على يقطين لأنه صاحب المصانع".
  3. انظر، ابن الأثير، ص ٦٨.
  4. ابن الأثير، ج ٥، ص ٥۷، ص ٦٩.