صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/353

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٣٤٩ - فأين هذا كله من كتابي « دمشق » و « بغداد » ؟

تبقى الموازنة بين الكتابين في دائرتهما المتواضعة ! وكثيرون من الناس يشفقون من الموازنة بين الأحياء ؛ وينصحون لي بالكف عن هذه الموازنات التي تثير الغيرة والخصومات ! وأنا لا أومن بهذه النصائح التي تنشأ من « تقاليد الصالونات » تلك التقاليد الناعمة الرقيقة ، التي لا يمكن أن تبرأ من الجبن والنفاق . في الوقت الذي تبرأ من أعظم عناصر الحيوية : الحسم والحماسة ! کتاب « دمشق » أدسم واثمن من كتاب « بغداد » والتماسك بين مباحثه المتفرقة أدق وأعمق . ونفس المؤلف فيه أقوى وأطول . وقد عرف المؤلف حدود المجال الذي يضطرب فيه فلم يزج بنفسه في مباحث «كبيرة » لم يتهيأ لها في هذه الحدود مثال ذلك ما زج بنفسه فيه مؤلف كتاب « بغداد » الحديث عن خصائص الشعر البغدادي . ذلك الموضوع الخطر الذي يحتاج الحديث عنه إلى فطرة موهوبة ، وإلى بحث كذلك عميق . فلم يزد فيه على الملخصات المدرسية المعروفة من ذلك قوله : - « والناقد البصير مضطر إلى الاعتراف بما لشعراء بغداد النابتين فيها والطارئين عليها من الفضل على الشعر في تنويع أغراضه ، وابتكار البارع من معانيه وأخيلته ، ونشر الآراء الحرة والمذاهب الجديدة ، والبراعة في رسم الصور المبتكرة في الأوصاف وغيرها . كما أنه عليهم تقع تبعة إذاعة الزندقة والتشكيك في العقائد ، والاسترسال وراء الأهواء . وهم أول من فتح باب الغزل في المذكر ، أو – على الأقل – هم أول من وسع هذا الباب ، وأغرقوا فيه أيما إغراق . كما أنهم أول من وسع باب المجون وغالوا فيه غلوا تستنكره الطباع السليمة والنفوس المستقيمة، ولم يكترثوا بما يتقيد به المؤمنون من كرائم الخلال ، ومحامد الخصال، (