صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/335

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۳۳۱ - وترجع إلى النظرية الثانية الجديدة للأستاذ المؤلف في هذا الكتاب . إنه يفترض - مع الجزم والتوكيد في مواضع شتى من الكتاب – أن محمد على رسم لنفسه منذ الأيام الأولى سياسة ثابتة هي : « إحياء العالم العثماني » وأنه عاش في كل أطوار حياته عثمانياً مسلماً . وعن هذه الخطة النهائية المبلورة في ذهنه من أول يوم ، ، نشأت جميع خططه في داخل مصر وخارجها : في حروبه وفتوحاته ، وفي تدبيراته ومشروعاته . وهو ينكر بشدة وتهكم أن يكون للأغراض القريبة والأهداف المحلية أثر في توجيه سياسته . فلم يكن هدفه ولو في فترة معينة – هو مجرد إحياء مصر وتقويتها وضم ما جاورها من المقاطعات والإمارات إليها ، توكيداً للقوة والحياة فيها . بل إنه منذ اليوم الأول قصد أن تكون مصر مركزاً أو نقطة وثوب لتحقيق الحلم الكبير وهو : إحياء العالم العثماني ، وفي ذلك يقول : « مشروع إحياء العالم العثماني رسمه محمد على منذ الأيام الأولى ، وسار في تنفيذه بخطى ثابتة متئدة ، رسمه حاضر في ذهنه ، وإن خفى على معاصريه ومؤرخيه ، وسعيه إلى تحقيقه متواصل ، وإن بدا أحيانا في لغة الكلام أو لغة الفعل منحرفا عنه إلى هدف آخر . ولم يكن ذلك الانحراف الظاهري إلا أسلوب السياسي الحاذق يعدل المظهر ليكسب الجوهر ، أو القائد الماهر بولى وجهه وجهة أخرى في حركة التفاف توصله إلى غرضه الأصلى . والسر في خفاء المشروع على معاصری محمد على الأوربيين ومؤرخيه المحدثين يرجع إلى أن القاعدة التي اتخذها محمد على أساساً اعمله (وهى مصر) عظيمة في حد ذاتها ، يصح جداً أن تكون ملكا قائماً بنفسه ولنفسه » « فالرجل – كما كان – لم يكن جماع باشويات ، بل كان رجلا عبقريا نشأ في عالم ذي موقع فذ ، وسمت همته لأن يعيد لذلك العالم حيويته ومكانته