صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/320

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فهذه الطريقة في دراسة الشخصيات والمذاهب تحتاج إلى نوع من العبقرية النافذة التي تضع يدها على المواضع الحساسة بلا تعثر ولا تلمس ، وكأنما تهتدى إليها بحاسة خفية . على أنه يبقى هنالك فرق آخر بين طريقة هيكل وطريقة العقاد ، هو الفرق بين طبيعة هيكل وطبيعة العقاد دراسات هيكل تنقصها وثبات الفكر ، وأريحية الشاعرية . فهي« استطراد تفسیری(۱) » أشبه شيء بالمذكرات القانونية ، و « الدفوع الفرعية » مع الشرح والتفسير والتحقيق ، لا تطلع فيها على أفق مجهول ولا عالم مكنون . وفي دراسات العقاد تلك الوثبات البارعة وتلك الأريحية الشاعرة . وللعقاد «الشاعر » هنا مجال ، بمقدار ما يفسح الشعر في عوالم النفس ، ويكشف من الآفاق والآماد . أما طريقة الدكتور طه . فطريقة « الاستعراض التصويري » الهـادي البطيء الجميل الذي ترتسم فيه الملامح والسمات على هيئة واتناد ، ولكنه لا يثب ولا يتعمق ولا يفاجئك بمجهول في النفس الإنسانية أو في الحياة(1)

- ٣١٦ -

  • * *

و « شاعر الغزل » – على صغر حجمه – نموذج كامل لطريقة العقاد ؛ ففى خلال ثلاثين وأربعين ومئة صفحة فقط من قطع الجيب ، ينتفض « عمر بن أبي ربيعة » من بين ركام الأجيال ، حيا ، نابضا ، شاخصاً ، بسمته وزيه ، ومزاجه ، وفنه ، وينبعث في حياته على الورق صورة مكتملة لحياته على الأرض ، حتى ليخيل إليك أنك وشيك أن تلقاه وتصافحه ، وأن تجلس إليه وتبادله الحديث . ولعل صغر حجمه جهة ، وأنه يتحدث عن شخصیته شبه عادية من جهة أخرى تجعله نموذجا كاملا لطريقة العقاد وقيمتها في دراسة الشخصيات . لأن من (۱) انظار بتوسع كتاب : « المذاهب الفنية المعاصرة »