صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/298

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

« أيهما ؟ الذي إذا خلوت ركب ، أم الذي إذا ركبت خلا ؟ » . فانظر في هذه الجملة الأخيرة تره رمى ابن ثوابة في نفسه وفى زوجه ، وهما معنيان سوقيان يترددان كل ساعة على ألسنة السبابين من أوشاب العامة . وإنك مع ذلك تقف من هذه الجملة موقف المشدوه المعجب ، تحرك بها لسانك ، وتعمل فيها فكرك ، وتعرضها على مقاييس البلاغة وشروطها ، فتطول على كل قياس وتزيد على كل شرط » . إلى أن يقول في ص ٢٨ : - ٣٩٤ Do « فأنت ترى أن الصياغة وحدها هي التي سمت بهذه المعاني الخسيسة إلى أفق البلاغة فتداولتها الألسن ، وتناقلتها الكتب . وليس حال المعنى في ذلك حال اللفظ ، فإن اللفظ في ذاته كالموسيقى يخلب الأذن ، ويلذ الشعور وإن لم يترجم . أما المعنى فكالكهرباء ، إذا لم يكن لفظه جيد التوصيل ، انقطع تياره ، فلا يعرب ولا يطرب . اقرأ قول القائل : لما أطعناكم في سخط خالقنا لا شك سل علينا سيف نقمته « ثم وازن معناء الشريف ونسجه السخيف ، بما رويت لك من كلام أبي العيناء فلا يسعك إلا أن تقول كما أقول : « إن القذر يوضع في آنية الذهب فيقبل ويحمل ، وإن المسك يوضع في تافية الطين فيرفض ويهمل » ونريد نحن أن نقف عند الحقيقة الأولى التي اتفقت فيها مع الأستاذ كل الاتفاق ، فتجاوزها قد يوقع في الزلل . والسبيل الأقوم في هذا المجال أن نقول : إن العمل الفني لا يكون بالفكرة الجيدة المبتكرة وحدها ، ولا بالإحساس الصادق الجميل وحده ، إنما يتم بالصورة الجميلة التي يبرز فيها المعنى والإحساس . .