صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/296

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۹۲ - « وقد غالى علماؤنا البيانيون ، فزعموا أن المعاني شائعة مبذولة لا يملكها المبتكر ولا السابق ، وإنما يملكها من يحسن التعبير عنها ، فمن أخذ معنى بلفظه كان سارقا ، ومن أخذه ببعض لفظه كان له سالح) أخذه فكساه لفظا أجود من لفظه كان هو أولى به ممن تقدمه(۱) ، ومن ألقاها « على أن هذا الرأى الجرىء لم يكن من رأى العرب وحدهم وإنما يراه معهم ( بوفون ) وأشياعه من كتاب الفرنج؛ فقد قرر في خطبته عن « الأسلوب » التي ا يوم دخل الأكاديمية الفرنسية : إن الأفكار والحوادث والمكتشفات شركة بين الناس ، ولكن الأسلوب من الرجل نفسه . « نعم قال بوفون : إن الأسلوب من الرجل نفسه ، ولم يقل : إن الأسلوب هو الرجل ، كما شاع ذلك على الألسنة ولم يرد بما قال ، إن الأسلوب ينم عن خلق الكاتب ، ويكشف عن طبعه كما فهم أكثر الناس ؛ وإنما أراد أن الأسلوب ، ويعنى به النظام والحركة المودعين في الأفكار ، هو طابع الكاتب وإمضاؤه على الفكرة ؛ ومعنى ذلك أن الأفكار تكون قبل أن يفرغها الفنان في قالبه الخاص ، من الأملاك العامة ؛ فإذا عرف كيف يصوغها على الصورة اللازمة الملائمة تصبح ملكا خالصا له ، تسير في الناس موسومة بوسمه ، وتعيش في الحياة مقرونة باسمة ، فالأسلوب وحده هو الذي يملكك الأفكار وإن كانت لغيرك . ألا ترى أن أثر الأخلاق في بقاء الأمم وفنائها معنى من المعاني المأثورة المطروقة ، فلما أجاد شوق سبك اللفظ عليه في بيته المشهور : ( وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا أصبح بهذه الصيغة من حسناته المعدودة ، وأبياته المروية ! » ونحن – على اتفاقنا الأستاذ في المبدأ السابق – مختلف معه هنا كما مع (1) الصناعتين ص ١٤٦ -