صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/269

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

<-8401 بل كانت زيارة مشوق كان قد فهم بعض الشيء عن حياة طيبة ، فكان يهمه أن يدرس ما فيها من الآثار . « وعدت من هذه الزيارة وقد ازددت شغفاً لمس القديمة ، فأحسست رغبة قوية في زيارة المتحف المصرى مع أني قد زرته من قبل مرتين ، فجعلت أزوره من جديد زيارات كان لها في نفسي معنى جديد « وتكررت زياراتي للآثار وانكبيت على المؤلفات التي وضعها علماء « المصرولوجيا » فكنت كلمـا أوغلت فيها شعرت كأن مصر تكبر في عيني وكأني أمتلى بذلك زهواً ، وأخذتنى الدهشة من أننا ونحن أبناء مصر لا نعرف عنها هذا الذي يعرفه الأجانب ، ولا نعجب بها هذا الإعجاب الذي يبذله لها الأجانب ، ولا تغرم بمجدها وتقصى خفاياه هذا الإغراق الذي يقبل عليه ويرتاح له الأجانب . « وكان من الضروري أن أقرأ هذه المؤلفات أو بعضها على الأقل مرة وثانية بل ثالثة في بعض الأحيان . فلم أجد في ذلك كلفة ، ولم ينقص التكرار شيئا من متعنى بالقراءة ، لأننى كنت أفهم في الثانية ما يبهم على في الأولى؛ وأنفذ في الثالثة إلى ما يغيب عنى في الثانية » في هذه الفقرات قص المؤلف قصته مع مصر القديمة ، وهي قصة كل شاب مصرى ينشأ ويكبر ويغادر مقاعد الدراسة دون أن يعرف عن مصر ذا قيمة ، ودون أن تعقد الصلة بين وجدانه وهذا الماضي البعيد ، ودون أن يسايره تاريخ بلاده خطوة خطوة حتى ينموفى شعوره ، ويتجسم في إحساسه ، ويشخص في خياله كائنا حيا يعاطفه ويناجيه ، فيحب هذه الأرض لأنها تضم ذلك الماضي الذي كان مسرحا له في غياهب التاريخ ومن هنا يقف المصرى وقفة البلاهة الجامدة أمام آثار بلاده وتماثيل أجداده ، لأن تلك الآثار وهذه التماثيل قطع جامدة ميتة لا تصله بها صلة من (