صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/253

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ٣٤٩ - وما أظن أن الذين كتبوا في سيرة الرسول أهملوا الاهتمام بأشباه هذا الخبر ، ولو فعلوا لما كانت كتابتهم كتابة . فقد كان سيدنا محمد عالما بنفوس جماعته وصحابته واقفا على دقائق أخلاقهم ، محيطا بغوامض أمزجتهم ، يعلم ما يغضب له فلان من الصحابة ، وما يرضى به فلان ، ويعرف مايستثير فلانا وما يهدأ به فلان . فعامل كل واحد منهم المعاملة المناسبة له ، اللائقة به ، حتى أشربت القلوب محبته ، وانطوت على طاعته ، فلم ينفض أحد من حوله . وهـذا منتهى الحذق في سياسة ی الناس . . وكنت أود أن أقف عنـد تسجيل التوفيق للاستاذ جبرى في اختيار المثال في موضعه المناسب . ولكنى مضطر – بعد اثبات هذا التوفيق – أن أتجاوزه إلى شيء في تعليقه عليه ! لم أكن أحب أن يكون حديثه عن « الذين كتبوا في سيرة الرسول » بمثل هذه اللهجة . فما الداعي لأن يقول : « ما أظن أن الذين كتبوا في سيرة الرسول أهملوا الاهتمام باشياء هـذا الخير .. » . إن الذين كتبوافى هذه السيرة في العصر الحديث معروفون . وكتبهم كذلك معروفة . والمفروض أن يكون الاستاذ جبرى قد اطلع عليها . بل من واجبه أن يكون قد اطلع عليها وهو بصدد أن يؤلف كتابا عن « العناصر النفسية في سياسة العرب » فإن لايكن فعل ، فقد كان من واجبه قبل أن « يظن » أو « لا يظن » أن يرجع إلى هذه الكتب ، ولوقد فعل لوجد أنهما كثروا من الحديث في هذا الموضوع، وأكثروا من الأمثلة والنماذج ، ونظروا إلى المسألة في محيط أوسع من أن يكون « الحذق » وحده هو الدافع لمحمد على تصرفاته مع قومه وغير قومه . وإنما رحابة النفس وسمو القصد، وخير البشرية كذلك ... والاطلاع الدقيق هو واجب التحقيق ، الذي لا يعنى المؤلف منه ظن ولا افتراض .