صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/250

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٢٤٦ - وأحداثه ، وفى توسيع مجال النظر إلى هذه الأحداث وأولئك الأشخاص ، فلا يكون ميدانها الخارجي هو وحده الذي تضطرب فيه ، إنما تكون هناك السراديب والدروب والمنعرجات النفسية الخفية التي تتصل بهذا الميدان المكشوف ! وهذه ميزة الدراسات التاريخية الحديثة على السرد التاريخي القديم . وفي المكتبة العربية الحديثة دراسات تاريخية، وتراجم الاشخاص، تقوم كلها على دراسة العنصر النفسي وإبرازه على خير الوجوه . فدعوة الاستاذ شفيق جبري متحققة فعلا في تلك الدراسات التي كثرت في الاعوام الأخيرة كثرة ملحوظة . أذكر منها على سبيل المثال مجموعة « العبقريات » للعقاد ، و« محمد على الكبير » لشفيق غربال ، و « تلاقى الأكفاء» لعلى أدهم ، و«بشار» للمازني ، و«أبو نواس» لعبد الرحمن صدقى وسواها ، ولا أنسى دراسات الاستاذ شفيق جبرى نفسه لبعض الشخصيات الأدبية

وللاستاذ المؤلف توفيقاته الكثيرة في هذا الكتيب الصغير . تارة في تسجيل نظريات عامة ، وتارة في تحليل مواقف خاصة ... ولكن هناك ما نختلف فيه كل الاختلاف ! t من أمثلة التوفيق في تسجيل نظريات عامة ، ماجاء في مقدمة الكتاب عن سياسة الناس : ل لاشى أصعب من سياسة الناس، لأن الرجل عادة مركب من شخصيات شتى لاتظهر إلا في أحوال معينة ، وما هذا الثبات الذي نراه في شخصية كل واحد منا إلا شكل ظاهر لاغير ، تثبت هذه الشخصية بثبات أحوال معينة ، فاذا تغيرت هذه الأحوال تغيرت شخصية الرجل ، فالهادىء قد يصبح ثائرا ، والرقيق قاسيا ، والفاضل قد تتناثر فضائله . فاذا جهل رجال السياسة هـذه قد يصبح الخفايا النفسية ، فان جهلهم يؤدى إلى الإخفاق في سياستهم ، أو إلى الذهاب بحياتهم ، أو إلى القضاء على بلادهم في بعض الأحيان