صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۷ - الطبيعة ، والأنس بهذه الحياة التي تتنفس في كل حي ، من الزهرة المتفتحة للندي إلى الطير المتيقظ من السكرى ، إلى الإنسان المتطلع إلى الضياء ؟ وأن هذا الحركة الوئيدة المستشرفة للضوء والحياة ، تصورها لفظة « تنفس » وجرسها الخاص ، وإيقاع التعبير كله . وكأن كل كائن في هذا الوجود يفتح رئتيه لنسيم الصبح البليل ، وينفض السكرى عن عينيه في استبشار وديع ! إن الفرق بين النظرة الأولى والنظرة الثانية ، لهو الفرق بين اللفظ الجامد والمعنى الطليق . وهو الفرق بين الدمية الميتة والحورية الراقصة في سبحات الخيال وهو نفسه الفرق بين تصور « البلاغيين » للجمال الفني وتصور الفنان ! ويقول « توماس هاردی » في خسوف القمر « ظلك أيتها الأرض – من القطب إلى المحيط - يدب الآن على شعـاع القمر الضئيل في سواد لاشية فيه ، وسكينة لا يخالجها اضطراب ؛ وإنى لأنظر ا إليه فأعجب كيف يستوي هذا الظل المنسوق ، وذلك الجرم الذي أعرفه لك مواراً بالقلق والحيرة ؟وكيف تتفق هذه الصفحة الراضية كأنها الطلعة الإلهية ، وأقطار عليك أيتها الأرض تموج الساعة بالأحزان والكروب ؟ « وأسأل : أهذا الشبح الصغير كل ما يطرحه الفناء الزاخر من الظلال على ساحة الفضاء ؟ حكمة الله أراد بها عالم الإنسان، متجمعة كلها في حيز هذا القوس المرسوم . كذلك يكون مقياس الكواكب لما تبديه الأرض ، ويكشفه عليها الزمان : من أمة تنحر أمة ، ورءوس تغلى بالهواجس ، وأبطال غالبين ونساء أجمل طلعة السماء » . من

وليس في هذا الكلام - في نصه العربي هنا -- صعوبة في اللفظ ولا في المعنى . ولكن الصعوبة الحقيقية في إدراك صدق هذا الكلام وجماله ، ولمحة ۱۱) ترجمة الأستاذ العقاد