صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/196

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۱۹۲ - وتركزت جهود الرجل وعائلته في أن يتيح « لسى اسماعيل » مطالب تعليمه ، حتى إذا حصل على البكالوريا ولم يكن متفوقاً اصطدم أبوه بالموقف . فهو كان يعده للطب ، ومدرسة الطب في مصر لا تقبله متأخراً. فاستخار الله ، وعزم على أن يرسله إلى « بلاد بره » ليتعلم على حساب قوته وقوت امرأته وابنة أخيه فاطمة ، وقبل أن يغادر الفتى مصر أوصاه أبوه بالمحافظة على دينه ، وتعاهد معه على الزواج من فاطمة لكي يلهيه عن الولع بالنساء في « بلاد بره » الفاسدة . وسافر الفتى الذي نشأ في حي السيدة الطاهرة ، وتشبعت روحه بروح الحي المؤمنة المتكلة المطمئنة لما هي فيه . سافر بروح الشرق الصوفية المستسامة ، ليصطدم هناك بروح الغرب العملية المصارعة. وقد تجسمت هذه الروح في صديقته «ماري» التي كانت تهب له كل شيء كما تهب تفاحة مجلوبة من السوق ! فوقع صريعاً في هذا الصراع الروحي الداخلي ، ثم أفاق على يدى صديقته أيضاً . أفاق وقد أصبح شخصية أخرى . شخصية مؤمنة بالعلم وبالفردية وبالصراع شخصية متميزة فاحصة تواجه الجموع ولا تنغمر في الجموع ! ... ثم عاد . عاد ملهوفاً مشتاقاً إلى مصر . وقد صنع الزمن به في انجلترا سبع سنوات ما صنع . فاذا به يجد مصر هي مصر ، وميدان السيدة هو ميدان السيدة . عاد طبيب عيون ، فإذا به . به يجد أمه تداوى عيني فاطمة بزيت قنديل أم هاشم ... وهنا ثار بكل ما فيه من قوة على هذا الخمود الخالد ، فحطم زجاجة الزيت ، وحطم قنديل أم هاشم، ا و بعد صراع طويل عاد إلى واصطدم بالجماهير ، ووجد نفسه غريباً في البيئة قواعده ، وتم انتصار الإيمان المبصر على العلم الجاحد . وانتصرت الروح !

. ... السياق بين يديك أيها القارىء ، ودونك بعض اللوحات والمشاهد ونحن نكتفى منها بثلاث صور لميدان السيدة في نفس إسماعيل : إحداها