صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/192

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۱۸۸ – يقتلها « الترام » لولا من يأخذ بيدها من المارة ، وهنا يسمع منها « التذكرى » أنها لم تذق الطعام منذ أمس ، بينما ينطلق الترام ! منذ ذلك الحين يدب في نفسه عطف على الفتاة . ولكنا نتبين بعد قليل : أن هذا العطف ليس خالصا . لقد تنبهت فيه الغريزة . إن هذا الرجل ليعيش عزبا منذ أن ماتت زوجه ، تقوم بشؤونه خادم عجوز . فهو - منذ اليوم - ضيق الصدر بهذه الحياة الجافة ، وهو مشتاق لأن يعثر على الفتاة . وحين يعثر عليها بعد أيام تجفل منه ، وتخشى أن يدفعها مرة أخرى . ولكن لا : فقد تغيرت الأمور . إنه لا يدفعها من الترام ، بل يرمى في يدها « تذكرة » عند صعود المفتش ، وحين يقف الترام يشترى لها رغيفا محشوا بالإدام ، ويسألها – في فترات عمله – أسئلة حياتها الشخصية . متقطعة . - حتى إذا كان الشوط الأخير ، نزل يقصد داره ، وقدمان تتبعانه إلى الدار .. لقد أحست الأنثى بغريزتها ما الذي يعطفه عليها . فسارت على خطاه ... !

وفى الثانية يرى في مطعم اعتاد أن يرتاده ، دمية تمثل « الجنتلمان » يمسك بيده قائمة الطعام ، فيتخيل هذا « الجنتلمان » حيا ، ويقابله بالضيق منه والتبرم به ، لما في وقفته من تكلف ، وما في « نفسه » من تصنع . فيهجر المطعم من أجله . وأخيرا يفلس المطعم ، ويباع الجنتامان ليهودي في « شارع جامع البنات » ويمر به ، فيراه هناك ذليلا ممسكا بيده « عينة » بطاقات . فيستريح لذلة الجنتامان بعد العز ... ثم يزداد تدهوره ، حتى يعثر به أخيرا في « شارع الموسكى » غارقا تحت حمل من الملابس القديمة ؛ فيهز يده فينهار ! وهكذا تجد في الأقصوصة الأولى ظلالا إنسانية ، وتحليلا نفسيا ، وفي الثانية