صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/157

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

11011 كأن فجاج الأرض حلقة خاتم على فما تزداد طولا ولا عرضاً هذه النعمة الجادة ، التي تشعرك « بالهول » في هذا الحب العنيف العميق ، لا تسمعها مرة واحدة في « مجنون ليلى » وذلك هو المقياس الأول في صحة رسم شخصية المجنون وتصوير عاطفته كانسان يحب حقيقة ، لا مترف يتظرف بالتهالك في الحب و « يذوب » حنينا وإغماء كأن « الذوبان » هو وحده دلالة الحب الإنساني العميق ! 6 فإذا شئت هذه النعمة الجادة الصادقة العميقة ، فإنك واجدها في « قيس ولبنى » ا إن شوقي لم يعرف الحب ، وأغلب الظن أنه لم يعرف « الألم » والألم هو ذلك الزاد الإلهي ، الذي يفجر عواطف الفنان ، وبدونه يصبح الفن بل تصبح الحياة كلها متعة رخية توحى باللطف والرقة ، ولكنها لا توحى بالعمق والصدق وما الحب وما الحياة بدون الألم الصادق العميق ؟ ) ا أما عرض المواقف والمشاهد ، فتبدو فيها السذاجة وقلة الحيلة ، في إثارة النظارة بالمشاهد الملفقة ، وذلك طبيعي مادامت الحرارة الإنسانية الطبيعية مفقودة . وإلا ففيم هذا الإغماء الذي لا يفيق منه المجنون حتى يعود إليه خمس مرات ! لقد أغمى على « قيس لبنى » مرتين . ولكن ذلك كان لمرض هذه ولأزمات نفسية حقيقية تهد الكيان . أما المجنون ، فيبدو لنا متهالكا متهافتا منذ أول فصل في الرواية ، قبل أية أزمة من الأزمات ، قبل أن تمنع منه ليلى وقبل أن يهدر دمه وقبل أن تتزوج سواه ، فكأنما هو « مستعد سلفا » لهذا« الذوبان » الرقيق ، لأن هذه هي سمة الحب الوحيدة ، كما يتوهمها الرجل الظريف ! ومشهد وادي عبقر وشياطينه وحواره مع شيطانه ، وكذلك مشهد الصبية الذين يتحاورون : فريق مع المجنون وفريق عليه . كلاهما حيلة من الحيل الرخيصة التي تنشئها « قلة الحيلة » للفت النظر ، حينها تقل الحرارة الطبيعية الصادقة !