صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/145

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 141 - (( إبرهيم الثــــانى للمازني أخيرا يهتدى المازني إلى نفسه وبمضى على نهجه ، ويستغل أفضل مزاياه . و « أخيرا » هذه تعنى سنة ١٩٢٩ يوم أخرج المازني كتابه « صندوق الدنيا » وإن كان قد نشره متفرقا من قبل في صورة مقالات وإذا علمنا أن المازني بدأ ينشر سنة 1910 أو حواليها فإننا نسأل : وقيم إذن أنفق أكثر من خمسة عشر عاما قبل أن ينهج نهجه الأصيل ؟ والجواب أنه أنفقها أولا في التمهيد والتحضير لدوره الأخير ، وأنفقها ثانيا في التهيئة العامة للأذهان والأذواق مع زميله العقاد ، مع بعد ما بين الرجلين في الطبيعة والاتجاه . والواقع أنني لم أعجب لشيء عجبي لاقتران هذين الاسمين في الأذهان فترة طويلة الزمان ، وهما يكادان يتقابلان تمام التقابل في الطبيعة الفنية والإحساس بالحياة . فالعقاد موكل بالفكرة العامة والقاعدة الشاملة ، والمازني موكل بالمثال المفرد والحادثة الخاصة ، وبينها العقاد يده مباشرة على مفتاح القضية أو الفكرة أو الشخصية ، يمضى المازني في استعراض أجزائها ودقائقها مستلذا هذا الاستعراض مشغولا به عن كل ما عداه . وفى العقاد ثورة وزراية وسخط على النقائض والعيوب الكونية والاجتماعية والنفسية ، ولكنه مع هذا واثق بالحياة متفائل على وجه العموم ؛ وفى المازني قلة مبالاة وسخرية واستخفاف ، وشيء من التشاؤم يبطنه بالفكاهة والشيطنة |