صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/14

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

النقــد والفن

نحن نعتمد على الألفاظ في تصوير خواطرنا، وإبراز المعاني التي تجول في أذهاننا، والأحاسيس التي تختلج في نفوسنا.

ويوما ما كان أسلافنا يؤدون هذه الأحاسيس وتلك المعاني بالإشارات والأصوات المهمة، أو بالإشارات والألفاظ جميعا…

وقد يصل أحفادنا إلى طريقة أخرى للتفاهم غير الألفاظ المنطوقة أو المكتوبة فقد يتم التفاهم بينهم مثلا عن طريق الاتصال الشعوري والفكري المباشر، وشيء من هذا يقع الآن في التنويم المغناطيسي والإيحاء !

أردت أن أقول – بهذه المقدمة – إن الألفاظ التي نتخذها اليوم للتفاهم، إنما هي وسيلة لا غاية، وإنها رموز ظاهرة لمعاني، وأحاسيس مضمرة ؛ وإنها تستمد قيمتها الحقيقية من قيمة ما ترمز إليه. بقدر ما تستطيع الكشف عن هذا الذي ترمز إليه.

والألفاظ – في هذا – كالعملة الورقية المضمونة برصيد من الذهب. ونحن نتعامل بها حسب ما ترمز إليه من الرصيد. ولا بد لكي نثق بها ونتداولها أن تكشف لنا عن هذا الرصيد الذي تساويه !

والألفاظ التي نتعامل بها الآن لم نضعها نحن ولم نشترك في وضعها، وقد تم هذا في عصور سحيقة، تعد بالقياس إلينا، في طفولة الإنسانية. فكان من أثر هذا أننا نراها اليوم ألفاظا غامضة مجملة الدلالة، وكثير منها ليس له في أذهاننا معنی دقیق محدد.