صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/116

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

بھوجی - ۱۱۲ – ولكنها لم تقل شيئا ، وإنما استقام قدها المعتدل ، وامتدت يدها الرخصة إلى الملك فأنهضته صامتة ، واستجاب لها الملك صامتاً طبيعاً ، فمضت به خطوات إلى نشر من الأرض قريب يكسوه العشب ، فأجلسته وجلست بجانبه ، ، وأحاطت عنقه بيدها ؛ ثم أمالته في رفق حتى وضعت رأسه على كتفها ، وظلت تنظر إليه وهو ينظر إليها ، وهما مغرقان في صمت عميق . ثم يسمعها شهريار تتحدث إليه في صوت هادي" وادع ، وهي تقول له : « ألم يأن لنا بعد أن نهبط من السماء ، وأن ننزل إلى الأرض فنعيش فيها مع الناس » ؟ « ولكن شهريار لا يجيبها ، وإنما تنحدر من عينه دمعتان هادئتان تمسحهما شهر زاد في رفق ، ثم تنعطف إلى الملك فتقبل جبهته مرة أخرى ؛ ثم تقيمه حتى إذا استوى في مجلسه جعلت تمر أصابعها في شعره رفيقة به باسمة له مطيلة النظر إليه صامتة ذلك لا تقول شيئاً ، وكأن هذا العطف الصامت الحار قد بعث الحياة والنشاط في قلب الملك وجسمه ، وفى عقل الملك وإرادته ، فهو يرفع رأسه إلى شهر زاد « ويسألها في صوت كأنه يأتى من بعيد : ألا تنبئينني آخر الأمر من أنت وماذا تريدين » ؟ ولقد أطلنا في هذا المثال لأنه يجمع بسهولة كل ألوان التصوير الحسى في طبيعة الدكتور : فيه المعاني الذهنية والخواطر النفسية ، وفيه الحركات والحوادث والمناظر؛ وكلها مرتسمة مصورة متحركة هذه الحركة اللطيفة المتتابعة في يسر وتؤدة. فمن شاء أن يرجع إلى أمثلة خاصة لكل نوع فليرجع إلى كتب : الأيام ، وأديب ، وأحلام شهر زاد ، وهدية الكروان ، والحب الضائع . ثم ليرجع إلى هامش السيرة . الذي جرنا إلى هذا الكلام ! وليقرأ في الصفحة الأولى من الجزء الثالث : كان الشيخ مهيباً رهيبا ، وكان فخا ضخا ، قد ارتفعت قامته في السماء ، هشه بروزی .