صفحة:غابة الحق.pdf/81

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وهذا يستدعي الخيانة والنكث. ذاك يدعو إلى النصيحة والتحريض، وهذا يستميل إلى الخديعة والغش. ذاك يجعل الإنسان مكرمًا محبوبًا، وهذا يصيره مهانًا مبغوضًا. ذاك ينهج بصاحبه طرق السعادة والغنى، وهذا يطرحه في وهاد النحس والفقر.

ولا يتفق التمدُّن مع عادة النميمة؛ لأن ذاك ينادي بقبح الكشف عن الأعمال السرية للبشر، وهذه تصرخ بإعلانها لدى الآفاق. ذاك يسدل ستارة الخفاء على كل النقائص والعيوب، وهذه مهتمَّة بخرق كل ستارة. ذاك يفتح صدر الإنسان لدخول الأسرار فيه، وهذه تغلقه وتجعل صاحبها مجتنبًا من جميع الناس وممقوتًا.

ولا يتفق التمدن مع خلق الغضب؛ لأن ذاك يطلب الهدوَّ والتأني في الأمور، وهذا يطلب الضوضاء والعجلة. ذاك يطلب إرضاء الناس واستمالتهم، وهذا يستلزم إسخاطهم وتنفيرهم. ذاك يقتضي البشاشة والطلاقة، وهذا ينتج الوجوم1 والقنوط. ذاك يجذب بركات الجماعة إلى وجه صاحبه، وهذا يسبب اللعنات. ولا يتفق التمدُّن مع الجبن؛ لأن ذاك يطلب الثبات والصبر على الأهوال والمصايب، وهذا يطلب التقلقل لدى كل حادثة. ذاك يقتضي الإقدام على تشتيت المخاوف والمزعجات، وهذا يقتضي الفرار من كل شيء. ذاك يستوجب استصغار المستكبرات، وهذا يقتضي استكبار المستصغرات.

  1. قوله الوجوم: أي العبوس كما في القاموس ا.ه.