صفحة:غابة الحق.pdf/73

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

نفسه سببًا فعالًا لقبوله التأثُّر بكل صورة تلوح له، والتخلق بكل سمة يحافظ بها على ذاته؛ كان انضمامه في سلك الجمعية إذ ذاك موجبًا لانطباع صور الحوادث الاجتماعية والوقائع الأدبية على ستائر قلبه وتطبُّعه بأخلاق وطباع بها يمكنه أن يعارك ويزاحم أمواج العالم البشري تحت لواء حوادثه.

غير أن كثرة تقلُّبات الأحوال والأجيال تأدت به إلى أن يفقد كل أطوار تلك الفطرة الأولى، ويصير من أَشَرِّ المخلوقات وأوحشها؛ ومن ثَمَّ لم يَعُدِ الإنسان قادرًا على الدخول في دائرة التمدن الذي يطلب سذاجة الصفات وسلامة الطباع إلا إذا كان متزينًا بتثقيف العقل الذي يعتبر كآلة عظيمة بها يمكن لكلٍّ من البشر أن يسترجع إلى طبيعته ما أفقدها التوحش.

ولا يتم هذا التثقيف إلا بالتروُّض في العلوم والفنون ودراسة المعارف الطبيعية والأدبية. ومن المعلوم أن العلم يخلق في الإنسان قلبًا نقيًّا وروحًا مستقيمة، ويجعله ظافرًا بكل الصفات الصافية ونافرًا عن كل ما يشين الجوهر الإنساني، ولا يترك له سبيلًا إلى التفكُّر في الأمور الدنيَّة والأميال المنحرفة؛ وهو الأمر الذي تشتق منه كل أفعال الشر، وعليه تُبنى كل دعائم التوحش. فكيف يفكر الإنسان مثلًا في دناءة السلوك عندما يكون الفلك طائرًا به إلى أعالي الإجرام السماوية حيثما يرى ألوف ألوف وربوات ربوات من النجوم التي هي شموس هائلة الحجم، وكلٌّ منها جالس على عرش الفضاء ثابت