صفحة:غابة الحق.pdf/68

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الحكومة قد يستلزم وجود نتائجها ما بين تبعته وحواشيه، وهو الأمر الذي له دخل كبير في واجبات السياسة. أما العكس فبالعكس، وذلك كالمركز الذي تتوقف استقامة أقطاره على استقامة وضعه، فبمقدار كونه مستقيمًا تستقيم، وبمقدار كونه منحرفًا تنحرف.

ثانيًا: حالة الاستواء؛ إن أعظم المقومات لصحة السياسة وإقامة الحق هو مجرى شرائعها متساوية على كل أبنائها بدون أدنى امتياز بين الأشخاص أو تفريق بين الأحوال. فلا يجب الأخذ بيد الكبير ودفع الصغير، ولا الالتفات إلى الغني والإعراض عن الفقير، ولا مؤازرة القوي ومواراة الضعيف، بل يجب معاملة الجميع على حَدٍّ سواء كي لا يقع خلل في نظام الحق؛ لأن كل فئة من الناس لها منزلة في طريق السياسة تستدعي النظر إليها، فكما أن العظماء والأغنياء هم القوة الواصلة، كذلك الصغار والفقراء هم الآلة الموصِّلة، فلولا يد الصغير لم يَطُل ساعد الكبير، ولولا تعب ذوي الفاقة لم تسهل متاجر أرباب الغنى ولم تحرس أموالهم ولم تقم قصورهم العالية وسرادقهم المشيدة. لعل ذلك الغني عندما يأتي من محل ملاهيه ومراسحه إلى مسكنه الوسيع، ويضجع على فراشه المصنوع من ريش النعام، وينظر إلى رقوش حجرته ونقوشها، لا يفكر في ذاك المسكين الذي بعد أن يكدَّ ويكدح طول النهار مقاسيًا حر صيفه، ومتكبدًا برد شتائه لأجل تشييد ذاك المسكن وتنميق تلك الحجرة، يذهب إلى كوخه الحقير ويأكل خبزته اليابسة مع أولاده العراة الجائعين، ثم يضجع على طراحته المنخرقة