صفحة:غابة الحق.pdf/131

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

لا تُسدِيك سوى التقلُّب على النار الدائمة في الدارين، ولا تجديك سوى قلق الفكر وعذاب النفس والتنهُّدات والحسرات، وتجعلك مضغة في أفواه الناس ومهملًا من الجميع.

ولا يخفى ما يترك الحسد والطمع من الشوائب الذميمة في الإنسان، وذلك نظير البغض والحقد والحنق والاختلاس وحب القتل والإضرار. وكلٌّ من هذه الأطوار الرديئة يترك وراءه أطوارًا أُخَر أشد رداءة، إلى أن يصبح الحاسد مؤلفًا من كافة الأرواح الخبيثة. فلا بدع إذا كان الحسد يشبه الشجرة الهندية التي كلما وصل غصن منها إلى الأرض نبت وصار الشجرة، وهكذا إلى أن تنقلب أخيرًا إلى غابة عظيمة تعشو إليها طيور السماء والهيرودي يسكن في مقادمها.

فلا يوجد شيء أشد مقدرة على استعباد النفس من الحسد والطمع؛ فإن هذا الروح إذا تمكَّن من الأنفُس أوثقها بجندل العبودية القصوى لسلطان الانفعالات، وقيَّدها عن التمتع بأدنى لذة أدبية، فتبقى مرتجفة بين فواعل الشهوات كارتجاف العصفور بين مخالب العُقاب، فاقدة كل سلامة الحواس؛ إذ لا تعود ترى سوى تناثُر شرر الاضطراب والطموح، ولا تسمع سوى دوي أصوات القنوط والأكدار، ولا تذوق سوى حرارة الأميال والآلام، ولا تشم سوى رائحة الزهاق العصبي، ولا تلمس سوى خشونة الأشياء التي ليست بقبضتها.

ومع ذلك فلا بأس من ترك بعض دخل لقائد الحسد والطمع في أحكام التمدن؛ لأن هذا الروح يقود الناس إلى الغَيْرَة والتنافس