صفحة:عقلاء المجانين (1924) - النيسابوري.pdf/72

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

إن قبلك رجلاً أديباً ظريفاً ذا حكمة فوجه به إلي على أحسن صفة غير مروع. فحمله إليه فلما ورد الباب قال له الحاجب سلم على الخليفة سلامك على الخلفاء، فدخل، ثم سلم عليه وقال: أنت المتوكل؟ قال نعم، قال فلم سميت بالمتوكل ولم تسم بالمتواضع؟ ثم قال:

«السلام عليك يا من استوى على سرة الغنى وتقمص بقميص الخيانة متبعاً مقاصير علائك فلم يوقد أتاك فظ غليظ فجذبك عن سرير بهائك وأخرجك عن اللحد وفراق الأهل والولد، فلو عليك حاجباً ولا قهرمانا حتى أخرجك إلى ضيق في صحيفة بطالتك، يا من احتوى على أموال الضعفة بظلمه، غداً تبكي سرائرك بين يدي من لا تخفى عليه السرائر فتحمل على دقيق المسئلة جواباً وعلى الصراط جوازاً فستعلم وتستقرئ كل ما قد أحصى عليك بالتحقيق.»

قال: فغاظه ذلك، فأمر بحبسه، فلما كان في اليوم الثاني أمر بإخراجه، فلما وقف بين يديه قال: بلغني أنك قدري تقايس في العظمة وتداخل في التكوين، فقال: يا متوكل يا من له عقل موجود وفهم غير مفقود إن مثلي لا يتكلم في القدر قال فنظر إليه مغضباً ورده إلى السجن.

فلما كان في اليوم الثالث أخرجه، فوقف بين يديه وقال: يا سعدون أنك ثنوي تقول السماء خالية بلا مدبر. فقال له: يا متوكل أسألك عن شيء تخبرني به؟ قال: نعم، قال: من جعل سطح الهامة منبت الشعر وسقاها من حرارة الدماغ؟ قال: الله، قال: أخبرني من مد حاجبيك فأنبت عليهما الشعر؟ قال: الله تعالى، قال: فأخبرني من فتق العينين وجعل للحدقة بياضاً وجعل وسطها سواداً؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيهما ماء عذباً ولحا؟ قال الله، قال: فأخبرني من خرق السمعين فجعل فيهما سماعا