صفحة:عقلاء المجانين (1924) - النيسابوري.pdf/65

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

عما أصنع من أنكر ما أصنع وأما من عرف ما أصنع فما معنى سؤاله؟ فقلت يا سعدون تعال نبكي على هذه الأبدان قبل أن تبلى، فتأوه ثم قال البكاء على القدوم على الله أولى بنا من البكاء على الأبدان، فإن يكن عندها شر أبلاها في القبور فسوف يبعثها ربها للعرض والنشور. يا ذا النون إنك إن تدخل النار فلا ينفعك دخول غيرك الجنة وإن تدخل الجنة لا يضرك دخول غيرك النار، ثم قال يا ذا النون وإذا الصحف نشرت، ثم صاح واغوثاه ماذا يقابلني في الصحف قال: فغشي علي فلما أفقت إذا هو يمسح وجهي بكمه ويقول يا ذا النون من أشرف منك إن مت مكانك هذا: قال محمد بن الصباح قرأت على قميص سعدون:

عيني أبكي علي قبل انطلاقي
بدموع منها تسيل المآقي
واندبي مصرعي فقد مضني الشوق
ونوحي علي قبل الفراق

قال مالك بن دينار دخلت جبانة البصرة فإذا أنا بسعدون فقلت له كيف حالك وكيف أنت فقال يا مالك كيف يكون حال من أمسى وأصبح يريد سفرا بعيدا بلا أهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل، ثم بكى بكاء شديدا، قلت ما يبكيك، قال والله ما أبكي حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت لكني بكيت ليوم مضى من عمري لم يحسن فيه عملي، أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدري بعد ذلك أصير إلى الجنة أو إلى النار، فسمعت منه كلام حكيم، فقلت له إن الناس يزعمون أنك مجنون. فقال وأنت قد اغتررت بما اغتر به بنو الدنيا زعم الناس أنني مجنون وما بي جنة ولكن حب مولاي قد خالط قلبي وأحشائي وجرى بين لحمي ودمي وعظمي فأنا والله من حبه هائم مشغوف، قلت فلم لا تجالس الناس وتخالطهم؟ فأنشد الأبيات المشهورة: