صفحة:عقلاء المجانين (1924) - النيسابوري.pdf/139

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–١١٩–

مجنون

قال الجاحظ: رأيت مجنونًا بالكوفة فقال لي من أنت ؟ قلت عمرو بن بحر الجاحظ. قال يزعم أهل البصرة أنك أعلمهم. قلت إن ذلك لقال. قال من أشعر الناس ؟ قلت امرئ القيس. قال حيث يقول ماذا ؟ قلت: 

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً
لدى وكرها العناب والخشف1 البالي

قال فأنا أشعر منه، قلت حيث تقول ماذا؟ قال حيث أقول:

كأن وراء الستر فوق فراشها
قناديل زيت من ورام قرام2

فأينا أشعر ؟ قلت أنت. قال فأيهما أقوى الماء ؟ قلت الريح. قال لم تصب. قلت وكيف ؟ قال يقع الثوب في الماء فيبتل في طرفة عين، ويبسط في الريح فلا يجف إلا بعد ساعات، أصبت أم أخطأت ؟ فقلت أصبت.  

مجنون أسود

قال ذو النون: ركبت البحر ومعنا مجنون أسود ذاهب العقل فلما توسطنا البحر قال الملاح: زنوا الكراء، فوزنا حتى إذا بلغوا إليه فقالوا له زن فأنشأ يقول: 

ليس القلوب تفوز أنس أنيسها
فتحيرت بين المحبة والهوى

قال الملاح: زن، قال بعثنا إلى الخازن ليزن لك، قال وأين الخازن ؟ قال في البحر صيرفي خازن. قال ذو النون فبينا نحن في ذلك إذ هاج موج عظيم فخرجت منه سمكة فاغرة فاها مملوء فوها دنانير، فجاءت حتى وقفت بقرب الأسود. فقال الأسود يا ملاح ! خذها إليك وإياك أن تسرق فأخذ منها


  1. الحشف: الرديء من التمر
  2. القرام: الستر الملون.