للمستشرقين المتحدثين بالتفكير المحدود أن يأخذوا عليه تشهيره بكبار الولاة، ويثبتوا به كل ما قالوه عن ذلك التفكير المحدود الذي ينسى الفوارق، ولا يحتال على المحظورات، ولكن بشرط واحد.
ذلك الشرط هو أن يتوقعوا — ولو من بعيد — أن يثور ابن العاص ونظراؤه على هذا القصاص، فيختل حكم الدولة، وينتشر الأمر على الخليفة، ويقع من المحظور أضعاف ما كان واقعًا لو بطلت المساواة بين السوقة والولاة.
أما أن يكون ابن العاص ونظراؤه لا يثورون، ويعلمون من هو عمر وما هي عقباهم إذا ثاروا عليه.
وأما أن يكون عمر لا يخشى تلك الثورة، ولا يعيا بها إذا هي فاجأته، أو جاءته على غير انتظار.
وأما أن يكون الأمر في ضميره، وفي ضمائرهم يجري على البديهة التي لا خفاء بها ولا شك فيها؛ فكيف يقال إذن إنَّ تفكير عمر في قصاص الولاة كبارًا وصغارًا تفكير محدود؟ وأين هو في هذه الحالة موضع التفكير المحدود؟
إنه في موضع واحد، وهو — كما أسلفنا — موضع الناقد الذي يصف عمر بغير وصفه؛ لأنه هو محدود الفكر في قياس الرجال بمقياس واحد، أو في اعتقاده أنَّ الخطوب تبقى كما هي، ولا تتغير كلما تغيرت عليها أيدي الرجال.
لقد كان عمرو بن العاص خطرًا على الخليفة الذي يغض منه لو كان غير عمر، ولكنه هو والذين كانوا أجرأ منه على الفتن وأسرع منه إلى الغضب، لم يكن لهم من خطرٍ إذا كان عمرُ هو الذي أمر بالعزل، وهو الذي قضى بالقصاص.
فأجرأ منه — ولا ريب — كان خالد بن الوليد، وأشهر منه بين سيوف الإسلام لو عمد إلى السيف، ومع هذا نقم خالد عزله فخطب الناس ومضى يقول: «إنَّ أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إذا كانت
(1) اي مالهم وهميرهم • (۲) الأمور • (۲) غض منه : وضع و نقص من (4) نقم الامر : کرمه