صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

–٥٤–

يحاكم في مجلس عام، كما يحاكم أصغر الجند، وعزله بعد مقاسمته فيما يملك من نقد ومتاع.

وكان جبلة بن الأيهم أميرًا نصرانيًّا، فأسلم وأسلمت معه طائفة من قومه، ثم وطئ أعرابي إزاره فلطمه جبلة على ملأ من حجاج بيت الله؛ فقضى عمر للأعرابي أن يلطم الأمير على ذلك الملأ؛ لأن الإسلام لا يفرق بين سوقة وأمير.

هذه أمثلة العدل الذي لا يتصرف، ولا يلتفت إلى الدنيا وما فيها من فوارق وتعريجات، تتأبى على القصاص المستقيم، وهي من أقوى الشبهات على النظر المحدود في تقدير الجزاء بالحرف المكتوب، دون التفات إلى الأحوال والمقتضيات.

فهل هي في الواقع كذلك؟ وهل كان على عمر أن «يتصرف» في هذه الأقضية بلباقة الساسة الدهاة في جميع الأزمان، إذ يحتالون على حرف الشريعة ويدورون حول حدود القانون؟

نعم، كان عليه ذلك لو عجز عن سنة المساواة، واحتاج إلى الحيلة، فإنما يعاب على الوالي عدل الموازين، ويحمد منه التصرف والدوران؛ لأن المساواة تعييه، أو لأن المساواة تعرضه لعاقبة شر، وأظلم من الإجحاف، فإذا نظر إلى عاقبة المساواة في المعاملة، فرآها شرًّا وأظلم من عاقبة التفرقة والتمييز؛ فقد وجب عليه إِذَن أن يدور حول الحقيقة، وألا يواجهها نصًّا بغير انحراف.

ولكن أين هذا من عمر، وأين عمر من هذا؟ إنه كان قويًّا قادرًا على العواقب، وكان شديد الألم من ظلم الظالم شديد الخجل من خذلان المظلوم، وكان وثيق الإيمان بنصر الله في الحق وفي النجدة؛ فلماذا ينحرف؟ ولماذا يتصرف؟ ولماذا يدور؟

كان قويًّا بطبعه، قويًّا بإيمانه فلماذا يهاب قويًّا جار على ضعيف؟ ولماذا يروغ من صرامة القاضي إلى دهاء السياسي الذي يدور حول الحقوق والحدود؟


(۱) أي جمع (۲) عامة الناس . (۳) نصوص الشريعة (4) ترك عونه ونصرته •