–٤٤–
الليل والبرد، انطلق بنا! فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون،١٩ فقال عمر: السلام عليكم يا أهل الضوء. وكره أن يقول: يا أصحاب النار. فأجابته امرأة: وعليكم السلام، فقال: أأدنو؟ فقالت: ادنُ بخير أو دع. فدنا منها فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع! قال: وأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر! فقال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ فقالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟ فأقبل عليَّ فقال: انطلق بنا. فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلًا٢٠ من دقيق وكبة٢١ من شحم، وقال: احمله عليَّ، قلت: أنا أحمله عنك. قال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟! لا أم لك! فحملته عليه، وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا فجعل يقول لها: ذري عليَّ وأنا أحرُّ لك.٢٢
وجعل ينفخ تحت القدر، وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلالها حتى طبخ لهم، ثم أنزلها وأفرغ الحريرة في صحفة وهو يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم — أي أبرده — ولم يزل حتى شبعوا وهي تقول له: جزاك الله خيرًا، كنت بهذا الأمر أولى من أمير المؤمنين.»
وأمثال هذه القصة في سيرة عمر كثير، لا يقال إنها هي ومثيلاتها من الشعور بالتبعة وليست من الرحمة؛ لأن العهد بالشعور بالتبعة أن يأتي من الرحمة، وليس العهد بالرحمة أن تأتي من الشعور بالتبعة!
كذلك لا يقال إنه قد كان يطيع أمرًا سماويًّا تحركت له نفسه، أو لم تتحرك، فإن النفس التي تتحرك للأمر السماوي هي النفس التي فيه ۱) نمشي بسرعة (۲) أي موضوعة ۰ (۳) يضجون من الجوع (4) أاقترب ؟0 (5) أي ابتعد واترك . (۹) أي کپسا - (۷) وهي الجساء الدقيق المطبوخ باللبن أو الدسم - (۸) الصحفة كالقصعة