صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/84

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٧٦
في المزاولة والثبات

إنني كنت كلما أكثرت المطالعة كثر شعوري بجهلي واشتدت رغبتي في المطالعة فكنت اغتنم كلَّ فرصة للدرس وكان الوقت الذي يمكنني أنْ أدرس فيه قصيراً جدًّا لأني كنت مضطرًّا أنْ أعمل كلَّ النهار لأجل تحصيل ما يقوم بمعيشتي فكنت أفتح كتاباً أمامي وقت الأكل فأقرأ في وقت كلِّ وجبة نحو خمس صفحات. ونحو ذلك الوقت قرأ مقالة الفيلسوف لوك في الفهم فكانت أول باعث على توجيه أفكارهِ إلى علم ما وراء الطبيعة (المتافيزيك) وتجريده عما فيه من شوائب الأوهام.

ثم شرع يعمل في حرفتهِ وحدهُ لأنه كان كل هذه المدَّة صانعاً عند سكاف وكان رأس مالهِ دريهمات قليلات. إلَّا أنَّ أحد جيرانهِ وكان طحَّاناً عرض عليهِ مبلغاً من المال قرضةً فقبله منهُ واشترى الأدوات اللازمة وأخذ في عملهِ ولم تمضِ عليه سنة حتى وفَّاهُ وكان قصارى رغبتهِ الاستقلال في العمل والاقتصاد فكان ينام أحياناً بلا عشاء مخافة أنْ يصبح وعليهِ دين. ولم ينسَ تهذيب عقلهِ فأكثر من المطالعة ودَرَس علم الفلك والتاريخ وما وراء الطبيعة وعكف بالأكثر على هذا العلم الأخير لأن كتبهُ التي يرجه ‘ليها أقل من كتب الفلك والتاريخ وقال إنني أعلم أنَّ هذا المسلك وَعِر لا يسلكه من كان مثلي ولكني عازم على الولوج فيهِ. ثم زاد على السكافة وعلم وما وراء الطبيعة الوعظ والسياسة فأضحى حانوتهُ نادياً لرجال السياسة من أهل قريتهِ حتى إذا انقطعوا عن المجيء إليهِ ذهب إليهم. فانهمك في ذلك أي انهماك وأضاع قسماً كبيراً من وقتهِ حتى كان يضطر أنْ يعمل إلى نصف الليل بدل ما يضيعه في النهار. فحدث ذات ليلة أنهُ كان يطرِّق نعلًا في حانوتهِ فمرَّ بهِ ولد صغير ووضع فمهُ في ثقب المفتاح وصرخ قائلًا «يا سكَّاف يا سكَّاف اشتغل في الليل ودُر في النهار «قال درو فيما بعد إنهُ لو أُطْلِقَت طبنجة حينئذٍ في أذني ما كنت انتبهت إليها أكثر مما انتبهت إلى صوت ذلك الولد فطرحت