في حيِّز الوجود رويداً رويداً كغيرها من المخترعات. فكان العامل الواحد يعمل ويتعب في هذا الاختراع الخطير زماناً طويلًا ولا يحصل على الغاية المطلوبة ثم يمضي ويترك عملَهُ لآخر فيأتي ويحسِّنه ويزيد عليه ما أمكنهُ. ويزيد عليه ما أمكنه. ودام الحال على هذا المنوال قروناً عديدة. وعليهِ ترى أنَّ الأمر الذي خطر على بال هيرو الإسكندري قبل المسيح بأكثر من مائة وثلاثين سنة كان كحبوب الحِنطة في مدافن المصريين الأقدمين التي يقال أنها نمت عندما زُرعَت بعد ما مضى عليها أكثر من ألفي سنة مدفونة في الأرض. وهذا الاختراع العظيم مرَّ عليه أكثر من ألفي سنة متروكاً في زوايا الإهمال ثم نما بنور العلم في عصرنا. وقد حالت دون إخراجهِ من القوة إلى الفعل صعوباتٌ تفوق الوصف ولكن رجال ذوي الهمة قووا عليها ودكُّوها بما بذلوا من الصبر والمزاولة. وكأني بالآلة البخارية بين الآلات سلطان محفوف برجاله العظام الذين بذلوا حياتهم في تشييد أركان ملكهِ. وإنْ تسأل عن أسمائهم فهم: ساڤري المهندس ونيوكمن الحداد وكولي الزجاج وبُتَر الصانع وسميتون المهندس وفي صدرهم جميعاً رجل الصبر والكد الذي لم يملَّ من عمل قط النجَّار جمس وَط.
هذا هو جمس وط أكثر الناس اجتهاداً هذا هو الرجل الذي أثبتت سيرتهُ ما طالما أثبتهُ الخبْر والخَبَر من أنَّ الأمور العظيمة لا يعملها ذو المقدرة والمهارة بالفطرية بل الذي يستعمل قواهُ بما اكتسبهُ بالاجتهاد من المزاولة والاختبار. لأن كثيرين من معاصريه كانوا أعلم منهُ جداً ولكن لم يجتهد أحدٌ اجتهاده في تحويل كلِّ علومِه وقواه إلى غايات مفيدة. فإنه كان يواظب على تتبع النتائج أشدَّ المواظبة وقد مرَّن قوة الانتباه فيهِ أشد التمرين وعلى الانتباه يتوقف فعل كل قوى العقل المتممة للأعمال ولقد أجاد المستر إدجورث إذ قال: إنَّ الفرق بين عقول البشر يتوقف على اختلاف قوة الانتباه فيهم أكثر مما يتوقف على