وجرير الشاعر كان أبوهُ فقيراً مدقعاً. ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني أنَّ رجلًا قال لجرير: «من أشعر الناس؟ فقال له: قم حتى أُعرفك الجواب. فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطية وقد أخذ عنزاً له فاعتقلها وجعل يمصُّ ضرعها فصاح به: أخرج يا أبتِ فخرج شيخ دميم رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيتهِ ثم قال: أشعر الناس من فاخر بمثل هذا الأب ثمانين شاعرًا وقارعهم به فغلبهم جميعًا!»
والزجَّاج النحوي الشهير كان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب فنال منه الحظ الأوفر. والسيرافي كان يتعيَّش بنسْخ الكتب. وابن الحاجب صاحب الكافية كان أبوه حاجباً للأمير عز الدين الصلاحي.
والإمام أبو حنيفة كان خزازاً يبيع الخزا. والحكيم ثابت بن قرَّة الفلسفي كان صيرفيّاً بحران ثم انتقل إلى بغداد واشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها وبرع في علم الطب والفلسفة وهو الذي قيل فيه:
وأبو بكر الرازي الطبيب المشهور كان في شبيبته يضرب بالعود ثم قبل على دراسة كتب الطب والفلسفة فقرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فصار إمام عصره في علم الطب وصنف فيه الكتب النافعة كالحاوي والجامع ونحوهما.
وياقوت الحموي المؤرخ المشهور صاحب معجم البلدان أُسر من بلاده صغيراً واشتراهُ تاجر ببغداد اسمه إبرهيم الحموي فلما كبر شغَّله بالأسفار في متاجرهِ فأحرز أشتات الفوائد التي دوَّنها في مصنفاته الجليلة وكتابه معجم البلدان من أجل الكتب الموضوعة في الجغرافية.
ونشأ من بين العبيد والمماليك جمهور غفير من الأمراءِ والعظماءِ كبدر الجمالي الذي كان عبداً عند جمال الدولة بن عمَّار فصار بجده