وقوة الذاكرة حتى إنهُ لم يَنْسَ شيئاً أمعن فيهِ نظرهُ. ثم أخذ يتعلم صناعة الرسم والتلوين والمساحة وقياس الأراضي كلُّ ذلك بدون أنْ يدرس على أستاذ فصار معاوناً لمهندس كبير فدعاهُ عملهُ أنْ يجول مراراً كثيرة في مقاطعة أكسفُرْد وما جاورها وكان أول شيءِ وجَّه إليه أفكارهُ أنواع تربة تلك الأراضي وترتيب طبقات صخورها. ودُعي مراراً كثيرة لمساحة مناجم الفحم فزاد فحصاً واختباراً حتى إنهُ لما بلغ السنة الثالثة والعشرين من عمرهِ عزم أنْ يصنع مثالًا يشخِّص طبقات الأرض
وبينما كان يمسح بعض الأراضي لحفر ترعة لاحظ أنَّ الطبقات التي فوق الفحم الحجري لم تكن أفقيَّة بل مائلة إلى الشرق وتأكَّد ذلك فيما بعد بملاحظتهِ الطبقات في واديين متوازيين فرأى أنها جميعها تتحدر نحو الشرق فتغور من طرفها الشرقي ويظهر فوقها نَضَد آخر. ثم مكنتهُ الفرصة من أنْ يتأكد ذلك إذ عُيِّن لفحص الأراضي الموافقة لحفر الترع في إنكلترا وويلس. فجال فيهما وكان يراقب هيئة أراضيهما الصخرية وصخورهما ويعي كلَّ ما يراهُ في ذاكرتهِ فأثبتت لهُ المراقبة أنَّ الصخور في الأنحاءِ الغربية من إنكلترا تميل إلى الشرق والجنوب الشرقي وأنَّ الحجر الرملي الأحمر الذي فوق طبقات الفحم يمر تحت الطبقات الطفالية والكلسية وهذه تمر تحت الرمال والصخور الكلسية الصفراءِ وهذه تمر أيضاً تحت الرواسب الطباشيرية في الأجزاء الشرقية من إنكلترا. ولاحظ أيضاً أنَّ لكلِّ طبقة من الطفال والرمل والكلس نوعاً خاصًّا من الأحافير. وبعد التأمل الطويل في هذا الأمر استنتج منه نتيجةً لم يسبقهُ إليها أحد قط وهي أنَّ كلَّ مجتمع من الحيوانات البحرية المتحجرة في هذه الطبقات يدل على أنها كانت في قاع البحر وقتًا ما وأنَّ كلَّ طبقة من الطفال والرمل والطباشير والحجر تدل على حصة مخصوصة من تاريخ الأرض