صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/57

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٤٩ -

تظهر آثاره في أخلاق أهله وآدابهم. إذ لم يكن لهم علم بأسباب المدنية الحديثة قبل أواخر القرن الثامن عشر إذ حمل عليه بونابرت يريد اكتساحه كما اكتسحه الإسكندر قبله. لكنه لم يأته بالعدة والسلاح فقط بل نقل إليه بذور التمدن وأصول المعارف. فأرفق حملته الحربية بحملة علمية جمعت نخبة علماء فرنسا في ذلك الحين. لم يوفق بونابرت في فتوحه الشرقية فعاد على أعقابه وظلت تلك البذور كامنة حتى نهض من رجال الشرق مَن أحسن تعهدها وتربيتها فنمت وكان منها ما كان من نهضة مصر والشام. فالسوريون والمصريون والأتراك والفرس لما هموا بهذه المدنية كان معظم تعويلهم في اقتباسها على الأمة الفرنساوية. فتعلموا لغاتها وترجموا علومها وقلدوها بآدابها وعاداتها وأخلاقها. كذلك فعل المصريون على يد محمد علي بأوائل القرن الماضي فإن الإصلاحات التي أحيا بها القطر المصري كان أكثر تعويله فيها على الفرنساويين. استخدم جماعة منهم في التعليم والتنظيم. مثل المسيو جومار المهندس الفرنساوي الذي أرشده في الإرساليات العلمية إلى فرنسا. والدكتور كلوت أنشأ له المدرسة الطبية وسليمان باشا (الجنرال سيف) نظم له الجندية ولينان باشا هندس القناطر الخيرية. وهناك عشرات من رجال العلم والأدب الفرنساويين استخدمهم محمد علي في نهضته، ونقل كثيراً من الكتب الفرنساوية إلى اللغة العربية

رحلة جرجي زيدان

(٣)