صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/48

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٤٢ -

إلى انقلاب اجتماعي وخصوصاً في باريس أم المدائن الجميلة.

كنا نشكو من جهل الفتاة الشرقية وحجبها ونحسد الفتاة الإفرنجية على تعلمها وحريتها فلما رأينا حالها في باريس انقلبت شكوانا وكدنا نرضى بالحجاب والجهل - إنهم أساءوا إلى ذلك المخلوق اللطيف بتلك الحرية المتطرفة. أرسلوا المرأة إلى الأسواق تخالط الشبان وتبايعهم وتساومهم وتعاشرهم وهي ضعيفة حساسة فتعرضت لمفاسد كثيرة وأغراها الشبان بالمال فخدعوها. فلما خرجت من صف الحرائر خدعتهم. ثم آل أمرها إلى ضياع العمر في الشوارع والأزقة لا تجد رزقاً إلا باستهواء الشبان. وفي القاهرة مثال صغير من تلك الطبقة يعرفن ببنات الرصيف. أما هناك فإنهن ألوف ولا تكاد تخلو منهن حديقة أو منتزه أو شارع ولا سيما في أثناء الليل ولا حرج عليهن بحجة الحرية الشخصية. والحكومة الفرنساوية تبيح الفحشاء على شروط وضعتها وقوانين سنتها. فأباحت للمتجرين بالأعراض أن يبتنوا المنازل والقصور ويحشدوا فيها الغواني أصنافاً وألواناً يعرضونهن عرض السلع أو الأثاث بلا عيب ولا حياء ولهم سماسرة في أيديهم شهادات من الحكومة تخول لهم معاطاة تلك المهنة. ولهذه الطبقة من المتهتكين مجالس وأندية وجرائد وكتب لترويج تلك البضاعة. وليس ذلك جائزاً في إنكلترا. ولكن مصر اقتدت فيه بالفرنساويين كما اقتدت بسواه من أسباب تمدنهم. وما كان أجدرنا أن نأخذ الحسن النافع