صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/36

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٣٢ -

أعداد الجريدة فوق طاولة على الرصيف خارج الحانوت وبجانبها علبة. فمن أراد أن يبتاع جريدة وضع ثمنها في العلبة وتناول الجريدة ولا رقيب عليه. وصاحبها لا يخاف أن يسرقه المارة فيأخذ أحدهم الجريدة ولا يدفع الثمن. وقس على ذلك الثقة المتبادلة في سائر الحرف.

دخلنا مطعماً في لندن يوم وصولنا من باريس. وبعد الفراغ من الطعام دفعنا لصاحب المطعم ليرة فرنساوية فاعتذر بأن النقود الفرنساوية لا تقبل عندهم. ولم يكن عندنا نقود غير فرنساوية. فوقعنا في حيرة وأردنا أن نترك الليرة له ريثما نعود وقد بدلنا النقود. فأعاد الليرة ليدنا وقال «دعها معك ومتى بدلتها تدفع ما عليك» وكانت هذه أول مرة رآنا فيها الرجل. أليس ذلك من الأخلاق الراقية؟ أن صاحبها يتصور رجلًا عليه حق لا يبادر إلى دفعه من تلقاء نفسه ولا يدل هذا على خلو البلاد من أصحاب الأخلاق الضعيفة ولكنهم أقل مما عندنا كما أننا لا نعني ضعف الثقة عندنا في كل الطبقات. وإنما نريد الأغلبية.

ومن جميل ما نحسدهم عليه معرفة قيمة الوقت وهو يتوقف على معرفة الواجب أيضاً فإنهم يقسمون أوقاتهم ويفرقونها على أعمالهم فلا يقصرون بما عليهم ولا يضيعون أوقات أصدقائهم بالزيارة الحبية كما يفعل كثيرون عندنا فإن بعضهم يزورك في ساعة شغلك ولا شغل له ويعلم أنك مشغول فلا يختصر زيارته ولا أنت تجرأ على