صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/28

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٢٤ -
الأزياء

ولا خلاف في أن باريس أسبق مدائن العالم إلى جمال الصناعة ولطافة المصنوعات وهي التي ترسم للعالم الأزياء التي يجب اتباعها وقد يكون لسواهم أزياء لكنها السابقة المتغلبة. ولأهلها مقدرة كبرى على توليد الأزياء في الملابس وغيرها. وهناك طائفة من أهل الذوق الصناعي إنما يشتغلون بوضع الرسوم للأزياء الجديدة يستعينون على ذلك بما في المتاحف الصناعية من الرسوم أو المنسوجات القديمة فيركبون منها زياً جديداً يبالغون في تنقيحه وتدقيقه حتى يبلغ حده. ثم يُعرض على أصحاب المعامل للنسج على منواله أو أصحاب المتاجر ليروجوه.

وللفرنساويين مهارة خاصة في الزخرفة وإتقان المظاهر بغير التفات إلى متانة ما يصنعونه وطول بقائه بخلاف الإنكليز فإنهم إنما يهتمون بمتانة ما يصنعونه ولا يهمهم ظاهره وهذا تابع لما اتصف به هذان الشعبان من الأخلاق كما سنذكره في بابه. فالبضاعة الباريسية إنما يرغب الناس في ظواهرها أكثر مما في متانتها. واعتبر ذلك في أكثر معاملاتهم فإن ما تبتاعه بعشرة فرنكات من أسواق باريس ليس فيه من المادة الأصلية إلا ما يساوي فرنكين أو أقل والباقي ثمن ما ينفق في سبيل ترويجه من المظاهرات كإتقان المخازن والإكثار من الخدم والتنوير الكهربائي والإعلان وغير ذلك.