صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/26

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٢٢ -
الإعلان

والتزاحم في العواصم الكبرى يسهل رواج السلع على طلاب الرزق. وقد يستغرب قومنا بمصر أو الشام كيف ينفق في أسواق باريس أو لندن أشياء لا فائدة لها أو لا تستحق الرواج. وإنما السبب في ذلك كثرة الناس لأن من يعرض سلعة في الشارع لا يمضي عليه ساعة حتى يمر به مئات الناس فلا يخلو أن يكون فيهم مَن يقع اختياره على تلك السلعة فيشتريها ولو على سبيل التجربة. وإنما يطلب من صاحب السلع أن يستلفت الأذهان إلى بضاعته وهذا هو السبب في اهتمام الإفرنج بالإعلان حتى إن أحدهم إذا هم بإنشاء تجارة أو صناعة أعد رأس مال بالإعلان قبل رأس مال البضاعة. وقد تفننوا في ذلك تفنناً عجيباً فهم يعلنون في الجرائد وعلى أغلفة الكتب وعلى جدران المنازل وأسطحتها وعلى الموائد وأغلفة المساوك وفي مركبات الترامواي والأومنيبيس والقطر الحديدية وفي المحطات حتى الحقول فإنك وأنت راكب في القطر من مدينة إلى أخرى يقع بصرك على عشرات أو مئات من ألواح قائمة على عمد مغروسة في الحقول ووجهها نحو الركاب فتقرأ عليها أسماء المحلات أو المعامل أو المصنوعات ولا سيما المشروبات والحلويات وأمثالها فإن أصحابها من أكثر الناس إنفاقاً على الإعلان وإنما يفوز منها مَن يستلفت الأذهان إلى صناعته فضلاً عن إتقانها. ويقال إن أكثر المتاجر إنفاقاً في فرنسا