صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/146

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١١٦ -

منه مظهر الجفاء. ولكنه يعد المجاملة ضرباً من العبث فلا يزال يتجنبك حتى يتعرفك ويثق بك فيمد لك يده ويصافحك ويكون عند ذلك من أخلص الأصدقاء وأظرف الجلساء.

٣ - التربية الأدبية والعقلية

ومن مقتضيات ذلك الخلق أيضاً ما تراه من ثبات الإنكليز في أفضل وسائل التربية البدنية والعقلية ولا سيما الرياضة وهم قدوة الأمم فيها. وقد ألف ديمولان الكاتب الفرنساوي كتابه سر تقدم الإنكليز ليحرض قومه على الاقتداء بهم في التربية والأخلاق والتعليم وغير ذلك. واختص غوستاف لابون أخلاق الإنكليز بالإطراء في كتابه «العوامل الأخلاقية في تكون الأمم» فالإنكليزي رأى بعين الحقيقة أن هذا الضرب من التربية مفيد له فاتبعه ووضع له قواعد أساسها الفائدة الحقيقية بلا زخرف ولا تنميق وزادهم ثباتاً فيها أنهم فطروا على احترام آراء رجال التاريخ وأصحاب المواهب منهم والعمل بها بلا جدال أو نقد — لعله من بقايا خضوعهم للشرفاء في عصر الإقطاع. ولهذه المنقبة فضل كبير في جمع كلمتهم وتأييد مساعيهم لأن الأمة إذا عملت برأي عقلائها كانت كلها عقلاء بخلاف الأمم التي يزعم كل من أفرادها أنه صاحب الرأي الأصوب والنفوذ الأعلى ويرى الانصياع لرأي سواه صغاراً ومذلة كما هو شأن الأمم الضعيفة التي صارت إلى الشيخوخة وآذن الزمان بفساد أمورها وانقضائها.